تزايد تقنين الكهرباء
تبيع مؤسسة الكهرباء إنتاجها بخسارة وبسعر أقل من 0.5 سنت للكيلوواط ساعة الواحد (قبل رفع التسعيرة)، بينما تتجاوز التكلفة الإجمالية 50 سنتاً للكيلوواط ساعة إذا ما احتسبنا الخسائر الفنية وسرقة الكهرباء. وتغطي خزينة الدولة هذه الخسائر التي تراكمت لتصل إلى 45 مليار دولار أميركي من الدين العام. ومع بروز الأزمة الحالية، باتت الخزينة عاجزة عن تمويل الخسائر، ما جعل مؤسسة كهرباء لبنان غير قادرة على شراء المحروقات، فارتفع معدل تقنين كهرباء لبنان إلى 22 ساعة في اليوم. وتخفِّف مولدات “الاشتراك” من وطأة انقطاع التيار مقابل تكلفةٍ بمعدل 50 سنتاً للكيلوواط ساعة الواحد. ويوفر الاشتراك حوالي 16 ساعة من التغذية بالكهرباء في اليوم لتنخفض ساعات التقنين بالتالي إلى 6 ساعات يوميا.
مزرعة تولا للطاقة الشمسية. تقع بلدة تولا في شمال لبنان، وقد تمكنت من التغلب على مصاعب توفير الكهرباء عبر إقامة مزرعة للطاقة الشمسية بتمويل كامل من مغتربي البلدة. وقد بلغت تكلفة المزرعة حوالي 120 ألف دولار موزعة على النحو التالي: 70 ألف دولار لمعدات الطاقة الشمسية وحوالي 50 ألف دولار لإعادة تأهيل أرض المشروع التي قدمتها الكنيسة. وتنتج المزرعة الكهرباء بمعدل يومي يبلغ 10 ساعات (400 كيلوواط ساعة)، وقد تصل ذروة إنتاجها في حزيران إلى 14 ساعة (560 كيلوواط ساعة) وتنخفض إلى 4 ساعات (170 كيلوواط ساعة) في كانون الأول. ومع ذلك، تحصل الأسر الـ 200 المقيمة في تولا على الكهرباء على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع بفضل ربط مزرعة الطاقة الشمسية بمولد اشتراك تملكه البلدية.
دور البلديات. يسلط مشروع تولا الرائد الضوء على قدرة البلديات على توفير الكهرباء على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع بالشراكة مع مستثمري القطاع الخاص ومولدات الاشتراك على النحو التالي: (1) يغطي المستثمر الخاص كلفة الاستثمار في الطاقة الشمسية (120 ألف دولار لـ 200 أسرة في حالة تولا) وكذلك كلفة إيجار الأرض إن لزم الأمر. (2) يبيع المستثمر الكهرباء التي تنتجها مزرعة الطاقة الشمسية إلى صاحب الاشتراك عبر اتفاقية شراء الطاقة. (3) يغطي صاحب الاشتراك فترات عدم توفر الطاقة الشمسية عبر مولده ثم يقوم ببيع الحزمة النهائية للأسر من خلال شبكته المصغرة ونظام توزيعه الموجود أصلا.
الربحية. تنتج مزرعة تولا للطاقة الشمسية الكهرباء بسعر 7 سنتات لكل كيلوواط ساعة خلال دورة حياة المعدات، ما يجعل شراء صاحب المولد للكهرباء المنتجة عن طريق الطاقة الشمسية أرخص من إنتاجه لها عبر المولد. أما بالنسبة لكلفة الاستثمار، فالاشتراك يمتلك أصلا مولداته وشبكته المصغرة، ما يوفر مبالغ استثمارية طائلة. فإذا افترضنا وجود الأراضي أو الأسطح المناسبة ، فسيبلغ الاستثمار الإضافي للبنان بأكمله حوالي 0.7 مليار دولار لإنتاج الكهرباء على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع من خلال مزارع الطاقة الشمسية (40%) وأصحاب المولدات الخاصة (60%). والجدير بالذكر هو أن هذه الكلفة أدنى بكثير من كلفة خطة الوزارة ولن تتحملها الخزينة ولا البلدية، بل تقع على عاتق المستثمر.
خطة الوزارة. وضعت وزارة الطاقة والمياه خطة بكلفة 4.9 مليار دولار في العام 2010 تعد بتأمين الكهرباء على مدار الساعة بحلول العام 2014. وفي العام 2019، قامت الوزارة بتحديث الخطة وزيادة الكلفة إلى 5.6 مليار دولار. ولعلّ التكلفة الباهظة للخطة بالدولار الفريش تجعل من المستحيل تنفيذها في ضوء وضع لبنان المالي. كما يواجه تنفيذ الخطة عقبات متعلقة بالحوكمة بسبب السعي لتجنب رقابة إدارة المناقصات والرغبة في بناء محطات جديدة وغم عدم القدرة على تأمين محروقات للمحطات الموجودة أصلا. وتعجز الخطة عن تقديم تدابير جدية للتقليل من نسبة الهدر والسرقة (أكثر من 40%). لذلك، نستبعد تنفيذ هذه الخطة في المدى المنظور، ما يجعل تأمين الطاقة على المستوى البلدي أكثر إلحاحا للسكان في ظل الأزمة الحالية.
التأثير. تسمح مشاريع الطاقة المتجددة على مستوى البلديات بتركيز مؤسسة كهرباء لبنان على المدن المزدحمة التي لا تتمتع بالمساحة الجغرافية الكافية لإقامة مشاريع الطاقة المتجددة، ما يحسن التغذية في كل لبنان. كما يدرس مجلس النواب حاليا مشروع قانون يفتح الباب أمام منتجي الطاقة المتجدّدة لاستخدام شبكة كهرباء لبنان. ويمكن لهذا القانون أن يساعد البلديات التي تنفذ مشاريع الطاقة المتجددة على بيع فائض الطاقة لحسابها لمؤسسة كهرباء لبنان في فترات الذروة أو مقايضتها بكمية مماثلة للطاقة خارج أوقات الذروة. لذا، يؤدي هذا الإصلاح إلى تحسبن نوعية الكهرباء على معظم الأراضي اللبنانية لتصبح أنظف وبأسعار معقولة وأكثر استدامة للبيئة لتسمح بنمو العديد من القطاعات الاقتصادية ومساعدة الناس على عيش حياة أكثر صحة.