خبير اقتصادي: السياسات الخاطئة في الاتحاد الأوروبي قد تتسبب في انقطاع الغاز

خبير اقتصادي: السياسات الخاطئة في الاتحاد الأوروبي قد تتسبب في انقطاع الغاز

بيروت: تتفاقم تداعيات حرب الغاز الدائرة بين الفريقين الروسي والأوروبي على خلفية استمرار الحرب في أوكرانيا، ومحاولة موسكو إحداث انقسام داخل الكتلة الأوروبية خلال هذا الشتاء. علما أن القارة العجوز اعتادت أن تؤمن حاجاتها من الغاز المُسال من خلال خطوط الأنابيب الأرخص مقارنةً بالسفن، والآتي من روسيا والنرويج وشمال أفريقيا.

وعلى ما يبدو سيضطر الاتحاد الأوروبي إلى الاستمرار في بذل الجهود لتقليص احتياجاته أكثر لتجنب نفاد الغاز شتاء 2023-2024، في حال توقف روسيا عن ضخ شحنات الغاز بشكل كامل. هذا ما كشف عنه تقرير جديد نشرته الوكالة الدولية للطاقة الاثنين، محذرة من أن التكتل لم يخرج بعد من دائرة الخطر رغم تحقيقه تقدما في خفض اعتماده على الغاز الروسي. وحثت الوكالة الحكومات على التحرك بسرعة أكبر لتوفير الطاقة والتوسع في مصادر الطاقة المتجددة لديها.

وعلى الرغم من خفض روسيا إمداداتها من الغاز هذا العام، نجحت أوروبا في تجنب حدوث نقص حاد وبدأت فصل الشتاء بخزانات غاز ممتلئة، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى تدابير الاتحاد الأوروبي الطارئة لملء مستودعات التخزين وموجة الطقس المعتدل وأسعار الغاز المرتفعة التي قللت الطلب على الوقود.

لكن العام المقبل قد يشكل اختبارا أصعب من أزمة الطاقة التي أدت هذا العام إلى ارتفاع فواتير الوقود للأسر في أوروبا، وأجبرت المصانع على الإغلاق مؤقتا لتجنب تكاليف الغاز الباهظة. فماذا يعني تحذير الوكالة الدولية للطاقة، وماذا ينتظر أوروبا؟ أسئلة يجيب عنها الخبير الاقتصادي الدكتور باتريك مارديني.* ما مدى جدية تحذيرات الوكالة الدولية للطاقة، وماذا ينتظر أوروبا؟

– أوروبا تكيّفت مع انخفاض كميات الغاز بطرق متعددة، ولكن تكيفت لغاية العام 2022. غير أن التقرير يحذر من ان العام المقبل 2023 قد يحمل مخاطر من نقص الغاز، في حال حدوث ثلاثة أمور: أولا، في حال قطع الروس إمدادات الغاز بشكل كلي، علما أنها لا تزال تصدر لأوروبا بكميات قليلة. ثانيا، في حال كان الشتاء قارسا أكثر مما جرت العادة. ثالثا، في حال استعاد الاقتصاد الصيني نشاطه وعاد لاستهلاك الغاز، لأن الاقتصاد الصيني لا يزال يعاني من أزمة كورونا رغم كل الدعاية التي قامت بها الصين في أول الأزمة إلا أنها حتى الآن لم تتخلص من كورونا.

وفي حال وجدت هذه العوامل الثلاثة في الوقت نفسه، عندها أوروبا سينقصها 7 في المائة من الغاز وهي نسبة صغيرة. أي إن كمية الغاز المتوفرة في أوروبا أقل 7 في المائة من حاجتها للاستهلاك.


* هل هذا يعني أن أوروبا ليس بمقدورها الصمود دون الغاز الروسي؟

– حتى الآن تثبت أوروبا أنها قادرة على الصمود من دون الغاز الروسي، ولكن تكلفة هذا الأمر مرتفعة جدا إن كان على الشركات مع ارتفاع كلفة إنتاجها وتراجع التنافس، وإن كان على الأفراد أيضا من حيث تكبدهم فواتير مرتفعة جدا.

وهذا يعني أن أوروبا قادرة على التكيّف مع المتغيرات، ولكن تكلفة التخلي عن الغاز الروسي كبيرة جدا، غير أن هذا لا يعني أنها لا تستطيع الصمود مع إيجادها الحلول والبدائل.


* ما الحلول والبدائل التي اعتمدتها أوروبا؟

– الحل الأهم من بين الحلول التي اعتمدتها أوروبا كان تخفيض الاستهلاك، ومن ثم رفع الأسعار الذي يدفع أساسا إلى خفض الاستهلاك.

إلى ذلك وجدت مصادر بديلة للطاقة من خلال إعادة فتح العديد من المعامل التي كانت مغلقة والتي كانت تعتمد على الفحم لتوليد الطاقة، فعادت دول كبرى لاستخدام الفحم في توليد الطاقة وتشغيل محطات إنتاج الكهرباء مع القفزات التي يشهدها سعر النفط والغاز الطبيعي ونقص الغاز الروسي. كما أن الحديث بدأ مؤخرا عن اعتماد محطات الطاقة النووية. وهذا يعني أن الدول الأوروبية لديها البدائل وتعمل عليها.

وبالتالي يمكن تعويض الـ7 في المائة من النقص والتي تحدث عنها تقرير الوكالة الدولية للطاقة من خلال خفض الاستهلاك، إذا تحققت العوامل التي ذكرت آنفا. ولكن الخطر يمكن في حال اعتماد سياسات خاطئة.


* وبينما يحاول الأوروبيون تشديد الضغط على موسكو، عبر وضع حدّ لأسعار الغاز الطبيعي، تهدّد الأخيرة بإيقاف تصدير غازها ونفطها إلى الدول التي تلتزم هذا القرار. فماذا يعني تحديد سقف للغاز الروسي؟ وماذا بشأن الأسباب والتداعيات؟ ومن الرابح الأكبر فيه؟

– من السياسات الخاطئة، هي وضع سقف لأسعار الغاز داخل الاتحاد الأوروبي. وفي حال ارتكاب هذا الخطأ عندها يمكن انقطاع الغاز لديها، ولكن ليس بسبب وقف الإمداد الروسي إنما يكون سببه الأساسي السياسات الخاطئة، ومنها سياسة تحديد الأسعار؛ ففي حال تم ذلك وارتفع السعر العالمي فوق هذا السقف سيتوقف البيع في أوروبا بالسعر المتدني مما يعني أن الشركات سوف تستثني أوروبا لتجنب الخسائر وسيضطرون للبيع خارج أوروبا. وهذه السياسة كفيلة بقطع الغاز عن أوروبا وستكون لها تداعيات سلبية كبيرة عليها.

وحتى لو عمل الاتحاد الأوروبي على تعويض الفارق بين السعر العالمي (في حال الارتفاع) والسقف الذي وضعته أوروبا، فإن هذا سينتج تهريبا للغاز إلى خارج أوروبا أو بروز سوق سوداء لبيعه في الأسعار العالمية والاستفادة من الأرباح.

ثمة بعض البلدان المتحمسة لهذه السياسة كاليونان وإيطاليا وغيرها، وبعض البلدان غير متحمسة كألمانيا والنمسا. ولكن في حال تم السماح باختلاف السياسات بين الدول الأوروبية، واقتصر اعتماد هذه السياسة في البدان المتحمسة محليا فهذا سيؤدي بكل بساطة لتهريب الغاز إلى البلدان الأوروبية التي لم توافق على هذه السياسة ولم تعتمدها. وفي حال التزمت جميع الدول الأوروبية بها فسيتم تهريب الغاز إلى خارج الاتحاد الأوروبي.

وبالتالي الخطر الأساسي من انقطاع الغاز في أوروبا هو بسبب السياسات الداخلية الخاطئة، وليس لأسباب خارجية مثل الحرب الروسية على أوكرانيا، لأن الأوروبيين عرفوا كيف يتكيفون معها.

الجدير ذكره أن تقرير الطاقة الدولية لاحظ أن الفجوة بين العرض والطلب «قد تبلغ 27 مليار متر مكعّب عام 2023 في سيناريو تنخفض فيه شحنات الغاز من روسيا إلى الصفر وتعود واردات الغاز الطبيعي المسال من الصين إلى مستويات عام 2021».

ويوازي رقم 27 مليار متر مكعّب هذا نحو 6.5 في المائة من الاستهلاك السنوي للاتحاد الأوروبي في 2021 الذي بلغ 412 مليار متر مكعّب، وهو الأعلى منذ 2011، بحسب أرقام وكالة الإحصاء الأوروبية يوروستات. وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن يبلغ استهلاك الاتحاد الأوروبي للغاز 360 مليار متر مكعّب عام 2022.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع المجلة