وقع وزير الطاقة بالوكالة في حكومة تصريف الاعمال ثلاثة عقود لتوريد الوقود لمؤسسة كهرباء لبنان لتوليد الطاقة وفقا لما يلي:
-٤٦٠٠٠ طن متري من الفيول اويل A، وقع العقد بتاريخ ٩-١٢- ٢٠٢٢.
– ٢٨٠٠٠ طن متري من الفيول اويل B، وقع العقد بتاريخ ١٣-١٢- ٢٠٢٢.
– ٣٣٠٠٠ طن متري من الغاز اويل، وقع العقد بتاريخ ١٣-١٢ – ٢٠٢٢.
في الحقيقة لم تكن العقود الثلاث الموقعة من وزير الطاقة بالوكالة لتوريد الفيول والغاز اويل اعتبارا من ١٥ كانون الأول كما ورد فيها، عقودا لتوريد فيول وغاز اويل لزوم مؤسسة كهرباء لبنان بقدر ما كانت عقود تسيد غرامات من المال العام لسفن راسية في عرض البحر تنتظر فتح الاعتماد لدى مصرف لبنان لتفريغ حمولتها. كان من شبه المستحيل كما صيغت العقود الثلاثة من قبل فريق مستشاري وزارة الطاقة بالتعاون مع بعض موظفيها ان تنجو الدولة اللبنانية من الغرامات المالية، للأسباب التالية:
- يجب تقديم كتاب فتح اعتماد قبل عشرة أيام من تاريخ اول يوم تسليم محدد في العقد (المادة ٩).
- لا يجوز رفض التسليم خلال الفترة التعاقدية لعدم وجود كتاب الاعتماد (المادة ٩).
- أعطيت الناقلة الموافقة من قبل وزارة الطاقة للإبحار مع الموافقة على عقد المشارطة بما فيه الغرامات.
تم تحديد تكاليف غرامات التأخير لكل عقد (المادة ١٣)، عند تعيين السفينة، اعتمد الحد الأعلى للغرامة المالية على الدولة اللبنانية على الشكل التالي: – ١٨٠٠٠ دولار في اليوم للفيول اويل أ، – ١٨٠٠٠ دولار في اليوم للفيول اويل ب؛ – ١٨٠٠٠ دولار في اليوم للغاز اويل (باخرة ١)، – ١٨٠٠٠ دولار في اليوم للغاز اويل (باخرة ٢). اللافت ان عقد الغاز اويل جاء على شحنتين بخلاف ما ورد في دفتر الشروط الخاص بالصفقة من ان موضوع العقد هو شحنة واحدة مقدارها ٦٦ ألف طن متري. هنا يطرح السؤال هل قسمت الشحنة الى شحنتين لمضاعفة الغرامات على الدولة اللبنانية.
بالإضافة إلى ذلك، لا تنص العقود على سقف لهذه الغرامة المالية، والتي يمكن بالتالي أن تزيد إلى ما لا نهاية أو حتى تتجاوز قيمة العقود، لا بل قيمة السفن.
لم يستعمل الوزير عند صياغة العقد الحق المعطى له في دفتر الشروط الخاص بالصفقة بتأجيل تواريخ التسليم إلى مواعيد ممكنة التحقيق ولا تلحق الضرر بالمال العام، هذا الحق نصت عليه الفقرة الثانية من المادة ٥ من دفتر الشروط الخاص بالصفقة، وهنا السؤال لماذا لم يستعمل هذا الحق طالما ان الوزارة قد تمسكت به ردا على طلب أحد العارضين خلال فترة تقديم الإيضاحات وكان جوابها قد نحتاج اليه إذا حصلت ظروف طارئة.
وزير الطاقة والمياه الذي لم يكتف بارتكاب خطأ توقيع عقود الفيول دون توفر الاعتماد ودون الحصول على تأشير مراقب عقد النفقات ودون عرض العقود على رقابة ديوان المحاسبة، اسند دفاعه الى انه وعد بفتح الاعتماد ولم ينل ما وعد به. غاب عن بال من دافعوا عن الوزير انه اركب خطأ عدم الاستفادة من مضمون العقود لمحاولة منع التغريم إضافة الى خطأ توقيعها، اذ يتبين لدى دراسة هذه العقود ان المادة العاشرة من كل منها نصت على ما يلي: على البائع تسمية الناقلة البحرية وعلى الشاري افادة البائع بالموافقة أو عدم الموافقة على هذه التسمية كما تفاصيل عقد المشارطة بما فيها معدل غرامة التأخير اليومية، خلال مهلة ٤٨ ساعة من تاريخ استلامه كتاب تسمية الناقلة البحرية.
هنا تصبح مشروعة الأسئلة التالية:
هل استعمل وزير الطاقة هذه المادة في العقد لتأخير إلحاق الضرر بالمال العام؟
هل وافق وزير الطاقة على الحد الأقصى للغرامة اليومي الوارد في عقد المشارطة؟ ولماذا قبل بتطبيق الحد الأقصى؟؟
كما نصت الفقرة الأخيرة من المادة ٢١ من هذه العقود بعنوان “القوة القاهرة” على أنه يقتضي على الفريق الذي أصبح عاجزاً عن التنفيذ بسبب القوة القاهرة، إعلام الفريق الاخر فوراً وخطياً بتاريخ بدء اسباب القوة القاهرة وبظروف تكوينها وكذلك بتاريخ انتهاء تكوينها مدعماً ذلك بالمستندات المثبتة لها، علماً أنه ورد في عداد القوة القاهرة في المادة ” القرارات الصادرة عن الحكومات أو السلطات الحكومية أو المدنية”. هل حاول وزير الطاقة الاستفادة مما نصت عليه هذه المادة بغية تفادي الغرامات؟
للدلالة على حسن نية الوزير وتضحياته للشعب اللبناني التي تحدث عنها للإعلام، نورد إضافة الى الخطأ في توقيع العقود وعدم فعل شيء لتجنب فرض الغرامات المالية على الدولة اللبنانية، تجاهل الوزير استعمال حقه في قانون الشراء العام بإلغاء الشراء او تمديد صلاحية العروض اذ نصت النبذة ب من الفقرة الأولى من المادة ٢٥ من قانون الشراء العام على أنه يمكن للجهة الشارية أن تُلغي الشراء و/ أو أيّ من إجراءاته في أيِّ وقت قبل إبلاغ الملتزم المؤقت إبرام العقد عندما تَطرأ تغييرات غير متوقَّعة على موازنة الجهة الشارية؛ لماذا لم يلغ وزير الطاقة الشراء بعد تعذر الحصول على التمويل بدل السير في توقيع العقد؟
إضافة الى ما تقدم تم توقيع العقود قبل ٦ أيام او ٩ ايام من تاريخ انتهاء صلاحية العرض، حيث كان بإمكان وزير الطاقة الطلب إلى الملتزم المؤقت تمديد صلاحية العرض وفقاً للفقرة ٢ من المادة ١٠ من دفتر الشروط وتأجيل توقيع العقد ربطاً بمدة صلاحية العرض حتى يتأمن التمويل. وحده التدقيق الجنائي يكشف عن مدى دلالة هذه المؤشرات على تحقيق مكاسب مالية غير مشروعة عن طريق الرشى والعمولات.
نصت المادة ١١٢ من قانون المحاسبة العمومية على التالي: الوزير مسؤول شخصيا بأمواله الخاصة عن كل نفقة يعقدها متجاوزا الاعتمادات المفتوحة لوزارته مع علمه بهذا التجاوز، وكذلك عن كل تدبير يؤدي الى زيادة النفقات التي تصرف من الاعتمادات المذكورة إذا كان هذا التدبير غير ناتج عن احكام تشريعية سابقة. لا تحول هذه المسؤولية دون ملاحقة الموظفين الذين تدخلوا بعقد النفقة وتصفيتها وصرفها امام ديوان المحاسبة ما لم يبرزوا امرا خطيا من شأنه اعفاؤهم من المسؤولية.
من المسؤول الوزير الذي وقع العقود بالوكالة ام وزير الطاقة المسمى بمرسوم تشكيل الحكومة؟ ام وزير الطاقة المستدام اذ ان العقود الثلاثة موقعة من وزير الاقتصاد كوكيل عن وزير الطاقة عند غيابه.
ان صياغة العقود على هذا النحو، والمخالفات المرتكبة من قبل السيد وزير الطاقة والمياه لأحكام قانوني الشراء العام والمحاسبة العمومية لا يمكن رؤيتها والنظر اليها عملا بمبادئ التدقيق التي تقوم على الشمولية، بمعزل عن تعطيل مناقصات الفيول من خلال محاولات فرض دفاتر شروط واجراء مناقصات بشروط حصرية على إدارة المناقصات اعتبارا من العام ٢٠١٧، وتعطيل مناقصات بناء معامل انتاج الطاقة من خلال الإصرار عند وضع دفاتر الشروط الخاصة لإنشاء معامل انتاج طاقة كهربائية على:
أولا: رفض خيار الغاز الطبيعي.
ثانيا: لحظ إمكانية ان تشتري مؤسسة كهرباء لبنان الفيول لصالح المتعهد.
ثالثا: التمسك بخيار المعامل العائمة المعروف ببواخر العمولات ورفض الخيارات المستدامة ولو كانت ذات طاقة أكبر وأنظف.
هل يمكن عزل ما سبق عن قضية الفيول المغشوش وتقرير قاضي التحقيق الأول والهيئة الاتهامية حول الموضوع. هل يعقل ان لا توجد في وزارة الطاقة وحدة إدارية مهمتها إدارة العقود، وان الامر متروك لمستشارين يقومون بمهام تنفيذية خلافا لتوصيات التفتيش المركزي.
بتاريخ ١١-٠١-٢٣ عقدت لجنة الاشغال والطاقة البرلمانية جلسة تحت عنوان مناقشة موضوع الكهرباء اعتقد الجميع انها لمساءلة وزير الطاقة والمياه وليد فياض اثر المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس هيئة الشراء العام جان العلية بتاريخ ٤-١١-٢٠٢١ وكشف فيه عن مخالفات مالية ارتكبت في وزارة الطاقة والمياه في توقيع عقود الفيول الثلاثة الأخيرة تلحق ضررا بالمال العام بحدود ٧٢ الف دولار يوميا، وقد فاقت هذه الغرامات بتاريخ انعقاد الجلسة ١١-٠١-٢٠٢٣ المليون دولار اميركي.
المفارقة ان الدولة التي ترفع الدعم عن حليب الأطفال وسلع أساسية مثل الدواء والمحروقات لإنقاذ ما تبقى من دولارات في المصرف المركزي تتغاضى عن دفع مليون دولار يتزايد يوميا بدون سقف بسبب أخطاء ارتكبها وزير ولا تحاسبه او حتى تسأله. نعم هذا هو مع الأسف منطق بعض النواب: أخطأ وزير الطاقة لكنه خدع، لسنا هنا لمحاسبة الوزير او غيره بل لإيجاد الحلول في السياسة. مع الأسف المخالفات والارتكابات المالية تحل في السياسة، والمفترض به ان يراقب ويحاسب عملا بمبدأ فصل السلطات يفتش عن حلول ومخارج لمن يفترض به ان يراقبه.
وعلى قاعدة الشيء بالشيء يذكر، بتاريخ ٢٨-١٢-٢٠٢١ وعلى اثر احاديث للإعلام ادلى بها مدير عام المناقصات د. جان العلية عن تجاوزات متمادية في وزارة الطاقة والمياه اجتمعت لجنة الاشغال والطاقة وقررت تأليف لجنة تقصي حقائق في ارتكابات وزراء الطاقة، لم تعقد هذه اللجنة جلسة واحدة واستمر النزف في قطاع الفيول والكهرباء.
نسأل بعد لماذا نحن في قعر الهاوية.