للمرة الثالثة تتجه الحكومة إلى قرار برفع الدولار الجمركي، بعد قرار أول رفعَه من 1.500 ليرة إلى 15.000 ليرة وبدأ تطبيقه في الأول من كانون الأول الماضي، وقرار ثان زاده إلى 45.000 ليرة وبدأ تنفيذه في أول آذار الماضي، فيما اليوم الحديث عن أول أيار موعد البدء بتطبيق الدولار الجمركي الجديد على سعر منصة صيرفة. والحجة التي تقدِّمها الحكومة، هي تأمين التمويل للزيادات الأخيرة التي أقرَّت على المعاشات لموظفي الإدارة العامة.
رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني، يوضح، لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “القرارات الحكومية الأخيرة حول زيادة الرواتب والأجور، تعني زيادة في النفقات العامة من خارج الموازنة العامة للعام 2022، وهي زيادات لم يصوِّت عليها مجلس النواب”.
ويشير مارديني، إلى أن “الحكومة اللبنانية لا تملك الأموال المطلوبة وعاجزة عن تمويل الزيادات الجديدة للموظفين. فنحن أساساً في عجز ونفقات الحكومة أكبر من وارداتها، وما يحاولونه هو إيهامنا بأن زيادة الدولار الجمركي يمكنها تغطية هذه النفقات”. علماً أن مارديني كان أول من توقَّع استمرار الحكومة برفع الدولار الجمركي وصولاً إلى سعر منصة صيرفة، في حديث إلى موقع “القوات” ضمن مقال تحت عنوان (الدولار الجمركي في طريقه من الـ15.000 إلى “صيرفة”) نُشر في 7 كانون الأول الماضي، أي غداة رفعه للمرة الأولى.
ويضيف، “تبيَّن أنه في المحصلة، بما يتعلَّق بالموازنة العامة للعام 2022 التي أقرَّت في نهاية العام، لم يكف رفع الدولار الجمركي لتغطية الزيادات التي أُعطيت سابقاً، والتي تمَّ تمويلها عن طريق التضخُّم وطبع الليرات”، معرباً عن أسفه “لكون هذا النهج بزيادة الدولار الجمركي يحصل من دون وجود أي وقائع حقيقية. فهم قاموا بزيادة الدولار الجمركي من 1.500 ليرة إلى 15.000 ليرة، ثم إلى 45.000 ليرة، والآن الاتجاه لرفعه إلى 60.000 ليرة في مرحلة أولى ربما تمهيداً لرفعه إلى سعر منصة صيرفة. فهل زادت إيرادات الدولة الجمركية خلال الفترة السابقة أم انخفضت عائداتها الجمركية؟”.
ويؤكد مارديني، “عدم وجود معطيات رسمية يمكن الركون إليها حول هذا الموضوع، بالتالي هم يعملون (ع العمياني). فبحُكم المنطق، حين يُرفع الدولار الجمركي للمرة الأولى ينتظر المرء ليرى نتيجة ذلك، فإن كانت إيجابية يمكن أن يتم رفعه مرة ثانية، وإذا كانت سلبية، المنطق يقول بالعودة عن هذه القرارات”، مضيفاً أن “هذه القرارات تحصل بشكل اعتباطي من دون تقييم نتيجتها الحقيقية على أرض الواقع”.
وبرأي الخبير المالي والاقتصادي ذاته، أن “رفع الدولار الجمركي أدَّى إلى انهيار الإيرادات الجمركية لا إلى زيادتها. والمزيد من رفع الدولار الجمركي سيؤدي إلى مزيد من انهيار العائدات الجمركية. وليطرحوا الأرقام على العلن وبشفافية ليتبيَّن الجميع الحقيقة”.
ويشدد، على أن “زيادة الدولار الجمركي لا يؤدي سوى إلى زيادة التهرُّب والتهريب الجمركي، والدولة لن تستفيد من هذه الزيادة، والمستفيدون هم المهرِّبون بشتى الطرق على المرفأ أو المطار أو الحدود البرية. وإن كان هناك بعض الشركات التي تعمل تحت سقف القانون ولا تزال تصرِّح عن أعمالها بشفافية، بظل كل ظروف الأزمة المعروفة، ستمتنع عن ذلك”.
لذلك، “مداخيل الدولة الجمركية لن تكفي لتغطية الزيادات الأخيرة على المعاشات”، وفق ما يؤكد مارديني، الذي يضيف أن “الزيادات ستموَّل عن طريق المزيد من التضخم وطبع الليرات، ومن انهيار سعر صرف الليرة، والمزيد من ارتفاع الدولار في السوق السوداء نتيجة التهافت عليه”.
وينوِّه مارديني، إلى أنه “حتى لو قرَّر مصرف لبنان أن يسدِّد الزيادات بالدولار لا بالليرة، لتجنُّب طباعة الليرة لتغطية الزيادات المقرَّة، فهذا يعني خسارة المزيد من احتياطي البنك المركزي بالعملات الأجنبية (أموال المودعين). وإن اعتبر أن احتياطيه بات في مرحلة حرجة، سيستعمل الليرات المحصَّلة من الإيرادات ويطبع ليرات إضافية لشراء الدولار من سوق الصرف لتمويل تغطية الزيادات بالدولار، ما يؤدي حُكماً إلى ارتفاعه من جديد”.
ويلفت، إلى أن “نتيجة رفع الدولار الجمركي وزيادة الرواتب والأجور تتلخَّص بنقطتين: انهيار إضافي لسعر صرف الليرة، وخسارة أكبر لاحتياطي العملات الأجنبية في مصرف لبنان الذي هو كناية عمّا تبقَّى من أموال المودعين. أي تكبير للفجوة المالية والأزمة المصرفية بدل تصغيرها، وتكبير للـ(هيركات) المستقبلي على المودعين”.