أفول عهد الشيك المصرفي وعدم إنجاز التحضيرات تؤخر انطلاقة “شيكات الفريش” أسبوعاً

أفول عهد الشيك المصرفي وعدم إنجاز التحضيرات تؤخر انطلاقة “شيكات الفريش” أسبوعاً

شيئاً فشيئاً يفقد “الشيك” اللبناني بريقه كوسيلة دفع أو سداد أثمان مشتريات وسلع في ما عدا بعض الاستثناءات، فيما تحوّلت وسائل الدفع الإلكترونية إلى “لزوم ما لا يلزم” مع تنامي السيطرة للنقد الورقي (البنكنوت) على سوق التبادلات التجارية وإتمام عمليات عقود البيع والشراء، إذ ثمة تقديرات بأن أكثر من 60 إلى 70% من العمليات أصبحت نقدية، وهو ما حذر منه البنك الدولي بإشارته الى أن ما يقارب نصف الاقتصاد اللبناني يعـتمد على السيولة، بدليل أن حجم الاقتـصاد النقدي ارتفع من 26.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 إلى 45.7% في عام 2022 أي بما يوازي نحو 9.9 مليارات دولار. وليس جديداً القول إنه في ظل تحول التعاملات من مصرفية الى نقدية تنشط عمليات تبييض الاموال بحيث يتعذر على المصارف ومصرف لبنان القيام بوظائفهم الاساسية عبر تتبع حركة الاموال في البلاد، وهو ما قد يدفع مجموعة العمل المالي الدولية “فاتف” الى وضع لبنان على قائمتها الرمادية بسبب “ممارسات غير مرضية” وذلك بغية “القضاء على أنشطة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب”.

توازياً، وبعد تراجع المعاملات المصرفية والتحول باتجاه التعاملات النقدية الورقية، وبغية التقليل من اقتصاد “الكاش”، عمد مصرف لبنان الى إصدار تعميم جديد لمصرف لبنان حمل الرقم 165 يتعلق بعمليات التسوية الإلكترونية العائدة لـ”الأموال النقدية” كان يُفترض أن يوضع موضع التنفيذ أول حزيران المقبل، ولكن مصادر متابعة أكدت لـ”النهار” أن انطلاقة التعميم قد تتأخر أسبوعاً واحداً لا أكثر بسبب عدم إنجاز التحضيرات مع المصارف خصوصاً حيال طباعة شيكات جديدة عليها كلمة Fresh باللون الأخضر، وإجراء تجارب لتنفيذ التعميم إلكترونياً بأنظمة متطوّرة، للانطلاق من دون مخاطر. التعميم طلب من المصارف كافة فتح حسابات جديدة بالأموال النقدية (Banknotes) بالدولار الاميركي والليرة اللبنانية لاستخدامها حصراً لتسوية التحاويل المصرفية الإلكترونية الخاصة بـ”الأموال النقدية” ولتسوية مقاصّة الشيكات التي يجري تداولها بـ”الأموال النقدية”.
وقد سمح التعميم بإجراء تحاويل نقدية بطريقة إلكترونية، كما سمح بتبادل شيكات صادرة عن حسابات “فريش” بالعملة اللبنانية وبالدولار الاميركي. ومن المتوقع أن يتبع ذلك إصدار بطاقات دفع مرتبطة بالحسابات النقدية، يمكن استعمالها من دون شروط أو أي عمولات إضافية لدى كل نقاط البيع في لبنان، بما يخفف عبء استعمال الأوراق النقدية لتسديد ثمن المشتريات وغيرها، على أن تبقى البطاقات المصرفية الحالية تعمل كالمعتاد فتستعمل لتسديد ثمن 50% من المشتريات لدى السوبرماركت.
وتستمر المصارف بقبول الشيكات الوافدة إليها إن كانت إيفاءً لدين قائم يخصّ العميل، علماً بأن غالبية المقترضين سدّدوا قروضهم بالكامل عبر شيكات اشتروها بجزء بسيط من قيمتها الحقيقية، بدليل أن قروض القطاع الخاص تراجعت بنسبة 66% بين كانون الثاني 2013 وأوائل 2019 أي تراجعت بقيمة 40 مليار دولار فيما تراجعت القروض بالعملات الاجنبية بنسبة 74%.
وتؤكد مصادر مصرفية أن الشيك العادي لا يزال يُعتمد في بعض التعاملات وخصوصاً الرسمية منها، خصوصاً أن وزارة المال سمحت بتسديد الرسوم والضرائب وغيرها بنسبة 50% نقداً و50% عبر الشيكات المصرفية. وتشير الى أن مؤسسات الدولة وإداراتها لا تزال تقبل الشيكات من الأفراد أو الشركات لتسديد الضرائب والرسوم وتسجيل العقارات، إذ إن معظم الضرائب غير الجمركية هي غير نقدية، كذلك تقبل وزارة الاتصالات نصف نقدي ونصف شيك كثمن لبطاقات التشريج. أما على صعيد القطاع الخاص، فتؤكد المصادر أن الصناعيين والتجار يقبلون الشيكات لسداد جزء من ثمن البضائع، إذ إن بعض اصحاب السوبرماركت والمحال التجارية يدفعون لمورديهم نصف المبالغ المستحقة لهم نقداً والنصف الآخر شيك، وتالياً فإن الشيكات غير “الفريش” ستبقى في التداول وإن بنسب قليلة.
لكن في ظل الأزمة المصرفية ليس مستغرباً أن تتشدّد المصارف في قبول الشيكات، وهو ما يترجم بالأرقام الهزيلة في حركة مقاصّة الشيكات، توازياً مع تراجع حصة الشيكات المرتجعة، إذ بلغ عدد الشيكات المتداولة بكافة العملات نحو 67 ألف شيك خلال شهر آذار 2023، فيما بلغت نسبة الشيكات المرتجعة من الشيكات المعروضة 0.9% في شهر آذار 2023.
وتعزو مصادر مصرفية أسباب تشدد المصارف في قبول الشيكات الى عدم رغبتها في زيادة رصيدها في مصرف لبنان الذي يعاني من فجوة مالية وغير قادر على تغطية الحسابات لديه، وتالياً لا مصلحة للمصارف بزيادة مبالغها في المركزي، حتى لا تضاعف خسائرها.
ومن الأسباب التي أوردها البعض لرفض المصارف التعامل بالشيكات، أنه خلال “محاولة بعض المصارف مبادلة بعض الشيكات من أموالها الخاصة بدولارات نقدية من الأسواق الموازية لإتمام التزامها تكوين سيولة 3% لدى المصارف المراسلة، لاحظت أن ثمة عمليات متاجرة بالشيكات، ما دفعها إلى المزيد من إجراءات التحوّط والقيود في قبول صرف الشيكات أو قيدها في حسابات العملاء”، بيد أن المصادر المصرفية عينها قللت من هذا الاحتمال على اعتبار أنه “ليس من المفترض بالمصارف أن تشتري الدولارات من الصرافين لتأمين نسبة الـ3%، وكان يُفترض بهم تأمينها من المساهمين في مصارفهم أو عبر بيع عقارات يملكونها في الداخل أو الخارج”.
والمعلوم أنه في بداية الازمة المصرفية التي انفجرت عام 2019، ازدهرت تجارة الشيكات، إذ كان يُحتسب الشيك بنحو الربع فقط من قيمته المدوّنة، ولاحقاً انخفضت القيمة التبادلية التي يجنيها صاحب الشيك خارج ردهات المصارف إلى النصف، ثم الثلث، لتصل حالياً إلى أقل من الربع.
إذن، عدد الشيكات بالليرة والدولار بالتداول في تراجع مستمر، وهو ما تبيّنه إحصاءات شيكات المقاصّة لشهر آذار 2023، بلغت نسبة الشيكات المرتجعة من الشيكات المعروضة 0.9% في شهر آذار 2023، مقارنة بنسبة 0.7 % في آذار 2022. أما من حيث القيمة، فقد بلغت نسبة الشيكات المرتجعة من الشيكات المعروضة بالليرة اللبنانية 1.6% في شهر آذار 2023، مقارنة بنسبة 0.6% في آذار 2022. وبلغ عدد الشيكات المتداولة بكافة العملات نحو 67 ألف شيك خلال شهر آذار 2023، فيما كان عددها في الشهر عينه من العام الماضي ما مجموعه 209 آلاف شيك، أي إن الشيكات المتقاصّة خلال شهر آذار 2023 شهدت تراجعاً من ناحية العدد بلغ 142,570 ألف شيك ونسبته 68%. أما الشيكات بالليرة اللبنانية فبلغت قيمتها 5.7 ألف مليار ليرة بارتفاع نسبته 88% مقارنة مع قيمتها في الشهر عينه من العام الماضي فيما بلغت قيمة الشيكات المتقاصّة بالدولار الأميركي 493 مليون دولار بتراجع نسبته 51% عن قيمتها في الشهر عينه من العام الماضي .
وبلغ عدد الشيكات المرتجعة خلال شهر آذار 2023 ما مجموعه 597 شيكاً (نسبته 0.9%)، فيما كان عددها في الشهر عينه من العام السابق ما مجموعه 1380 شيكاً، أي إن العدد الإجمالي للشيكات المرتجعة خلال شهر آذار 2023، تراجع 783 شيكاً أي ما نسبته 57%.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع النهار