تصفير الفوائد في الموازنة: كارثة ستعمّق من الأزمة الاقتصاديّة

تصفير الفوائد في الموازنة: كارثة ستعمّق من الأزمة الاقتصاديّة

يعود الحديث عن “إعادة هيكلة الدين العام”، عبر تصفير الفوائد، أي إعفاء الخزينة العامة من تسديد الفوائد على سندات الدين لمدّة سنة واحدة فقط، على أن تلتزم الحكومة ومجلس النواب بتنفيذ الإصلاحات التي يطالب صندوق النقد لبنان بها.

كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:

يعود اقتراح تصفير الفوائد في الموازنة إلى الواجهة من جديد، حيث يرى فيه البعض حلاً قد ينقذ لبنان من دينه. وكان قد طرح هذا الاقتراح للمرّة الأولى في العام 2020، من قبل رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، الذي رأى في اقتراحه آنذاك تلبية لشروط “سيدر” للحصول على قروض خارجية للاستثمار في بعض مشاريع البنية التحتية والشراكات مع القطاع الخاص وتحريك النمو الاقتصادي، كما اعتبر الحريري أنّ هذه الخطوة ستلبّي شروط بعض الجهات الخارجية التي أبدت استعداداً لإيداع بعض الدولارات لدى البنك المركزي وتعزيز موجوداته بالعملات الأجنبية وإبعاد شبح انهيار سعر صرف الليرة الثابت.

واليوم يعود الحديث عن “إعادة هيكلة الدين العام”، عبر تصفير الفوائد، أي إعفاء الخزينة العامة من تسديد الفوائد على سندات الدين لمدّة سنة واحدة فقط، على أن تلتزم الحكومة ومجلس النواب بتنفيذ الإصلاحات التي يطالب صندوق النقد لبنان بها. وفي مقدّمة هذه الأخيرة إعادة هيكلة القطاع العام، والقطاع المصرفي، وحلّ أزمة قطاع الكهرباء. فما مخاطر عمليّة تصفير الفوائد؟ وما انعكاسها على المصارف والاقتصاد؟

تصفير الفوائد يوازي خطورة التخلّف عن تسديد “اليوروبوندز”

يجيب عن هذه الأسئلة الخبير الاقتصادي باتريك مارديني في حديث خاص لموقع “هنا لبنان”، مذكّراً بأنّه “سبق وأن تخلّفت الحكومة اللبنانيّة عن دفع سندات اليوروبوند (ديون الدولة اللبنانيّة بالدولار) في أوّل الأزمة الاقتصاديّة في عام 2020، ولكنّها لا تزال وحتى اليوم توفي خدمة الدين العام، أي أنّها تسدّد ديونها المتوجّبة بالليرة اللبنانيّة. وبالتالي تصفير الفوائد يعني التخلّف عن تسديد الديون بالليرة اللبنانيّة والتي توازي خطورتها التخلّف عن تسديد سندات اليوروبند”.

وعن المتضرّر الأوّل من هذه العمليّة يقول مارديني “حاملو سندات الدين بالليرة اللبنانيّة هم أوّل المتضررين، وعلى رأسهم مصرف لبنان والمصارف اللبنانيّة، إلى جانب المؤسّسات العامّة كصندوق الضمان الاجتماعي، وغيره من المؤسّسات المجبرة على حمل سندات خزينة بالليرة اللبنانيّة”.

المصارف ستعجز عن تسيير السحوبات بالليرة اللبنانية

ويتابع “هذه المؤسسات ستتعرّض لخسائر كبيرة ستعمّق فجوتها، فمن جهة تستخدم المصارف فوائد سندات الخزينة بالليرة اللبنانيّة لتسديد السحوبات المصرفيّة للمواطنين اللبنانيين. وفي حال تمّ تصفير الفوائد ستعجز المصارف عن تسيير سحوبات اللبنانيين بالليرة اللبنانيّة، وبالتالي ستلجأ إلى تسييل ودائع الدولار الموضوعة في المصرف المركزي بشكل أكبر على سعر الصرف الرسمي الحالي وهو 15 ألف ليرة. وبالتالي نكون قد عمّقنا من حجم الأزمة بدل حلحلتها”.

ويرى مارديني أنّ “الدولة اللبنانيّة كانت تملك مهلة 3 سنوات، وكان من الأجدى أن تلجأ خلال هذه الفترة الزمنيّة إلى الإصلاحات التي تسمح لها بإيجاد التوازن المالي، وإعادة هيكلة ديونها الخارجيّة، وطمأنة حاملي سندات اليوروبوند. أمّا وبخطوة تصفير الفوائد تكون الدولة وبدل تسديد دينها الخارجي تتخلّف حتى عن تسديد دينها الداخلي!”.

الدين الأكبر على مصرف لبنان

من جهته يشرح الخبير الاقتصادي د. خلدون عبد الصمد في حديثه لـ “هنا لبنان” أنّ “دين لبنان ينقسم إلى قسمين: خارجي وداخلي. الأوّل معطى وفق اتفاقيات ترعاها العلاقات بين الدول (علاقات الصداقة، التعاون، الأمم المتحدة) ويتوجّب على لبنان تسديدها والالتزام بشروطها وإلا يتأثّر تصنيفه عالمياً، ويتجه اقتصاده إلى المزيد من الانهيار. أمّا الدين الثاني، فقد أتت الدولة بأمواله من جهة داخليّة وهي المصارف، والدين الأكبر على مصرف لبنان، لكونه المصرف المركزي، ووجه الدولة النقدي، وبالتالي المصارف تديّن مصرف لبنان والأخير يديّن الدولة. وأحياناً تقع فوارق بالفائدة، حيث أنّ مصرف لبنان قد يديّن الدولة بفوائد منخفضة، فيما المصارف تديّن مصرف لبنان بفوائد مرتفعة”.

تصفير مشروط؟ ولكن لا ثقة!

وعن مسألة تصفير الفوائد يقول أنّ “هذه الفكرة بدأت منذ حوالي السنتين حين اعتبرت الحكومة أنّ عليها تصفير فوائد الديون الداخليّة، لمدّة معيّنة، كي تعود الدولة وتتمكن من الانطلاق مجدداً من دون هذه المبالغ الضخمة المستحقة عليها. وهذا الطرح قد عرض أكثر من مرّة إلاّ أنّه لم يبصر النور لأسباب عديدة أهمّها أنّه وبهذه الخطوة ستكون الدولة قد “أكلت من حقّ المصارف” في الوقت الذي ديّنت فيه هذه الأخيرة الدولة بشروط واضحة وتوافق عليها الطرفين”.

ويلفت عبد الصمد إلى “أنّني مع المنطق الذي يقول بتصفير الفوائد لفترة زمنيّة محدّدة قد تعود بالمنفعة على الدولة اللبنانيّة، في حال عرفت هذه الأخيرة كيفيّة الاستفادة من هذه السنة دون الفوائد. ففي حال لم تعِ الدولة كيفيّة الاستفادة من استراحة الفوائد قد يتوجّب عليها إعادة دفع فائدة “عدم دفع الفوائد” للمصارف، ما سيوقعنا بإشكاليّة قانونيّة”.

وبالتالي هذه الخطوة هي سيف ذو حدّين، يتابع عبد الصمد، “وفي ظلّ فقداننا الثقة بقدرة الدولة على حلّ الأزمة الاقتصاديّة، وإدارة الأزمة، يفضّل عدم الذهاب بهذا الاتجاه، الذي قد يخسّرنا أكثر بكثير”.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع هنا لبنان