بعد ثلاث محاولات فاشلة قامت بها وزارة الإتصالات لتلزيم قطاع البريد، اتخذ أمس مجلس الوزراء قراراً بالتمديد لشركة «ليبان بوست»، محتكرة تشغيل القطاع منذ أكثر من ربع قرن، مستقوية بملكيات مصرفية وسياسية نافذة طالما أثارت منذ إطلاقها جدلاً واسعاً في معضلات الاحتكار وتضارب المصالح والإضرار بالمال العام. وجاء التمديد بعد رفض ديوان المحاسبة وهيئة الشراء العام قبول المزايدة الثالثة التي كانت الوزارة أطلقتها بسبب «عيوب فيها». ويؤكد مصدر رقابي أنّ «الكرة الآن ستعود الى ديوان المحاسبة لإبداء رأيه في التمديد، وضرورة تناوله بالتفصيل الخسائر التي يتكبّدها المال العام من قرار الحكومة. فالديوان على محك المصداقية، إذا كان فعلاً حريصاً على المال العام، كما أظهر خلال الأشهر الماضية التي حفلت بمطالعات وتقارير حول المزايدة الثالثة وعيوبها».
وعقب انتهاء جلسة مجلس الوزراء تحدث وزير الاتصالات جوني القرم عن تداعيات القرار، فقال: «قلت عدة مرات أني لا أرغب في التمديد. فالاتفاق الموجود حالياً مجحف في حق الدولة، وستكون له تداعيات غير جيدة على القطاع»، وأشار الى أنه بذل جهده في هذا الخصوص خلال السنة ونصف السنة الماضية، «وحاول التقدم بقرار لتعديل عقد «ليبان بوست» لكي يكون جيداً للدولة، لكن مجلس الوزراء رفض، ثم أجرينا ثلاث مزايدات ولم نصل الى نتيجة».
وأضاف: «التقرير الذي يطالب به ديوان المحاسبة كانت كلفته عام 1997 نحو 4 ملايين دولار. وضع بموجب مناقصة رست على شركة «داتش بوست» حينها. أما اليوم، ومن أجل القيام بدراسة جدوى، ودفتر شروط جديد يجب تأمين المال، ثم إطلاق مناقصة للشراء العام. وهذه أمور يلزمها نحو ثمانية أشهر».
وعلّقت مصادر مواكبة للملف على القرار، معتبرة أنّ التمديد لـ»ليبان بوست» يعني مزيداً من إلحاق الضرر بخزينة الدولة وملايين من الدولارات سهلة التحصيل تذهب الى حسابات الشركة الممدّد لها. كما أنّ الأمور عادت إلى نقطة الصفر، فبعد قرار مجلس الوزراء يجب إطلاق مزايدة رابعة جديدة، إلّا أنّ ذلك يحتاج إلى مدة زمنية وتحمّل 10 ملايين دولار تكاليف إعداد جدوى إقتصادية بعد إيجاد شركات للمشاركة في مناقصة ذلك الإعداد، ووضع مسوّدة دفتر شروط لرفعها إلى مجلس الوزراء للنظر في الموافقة عليها، ومن ثم الانتقال إلى هيئة الشراء العام لإجراء التعديلات اللازمة في حال ورودها، وبعد ذلك إلى ديوان المحاسبة ليُراقب التعديلات التي طلبها… ليتسنّى للوزارة إطلاق المزايدة من جديد على منصة هيئة الشراء العام. إضافةً إلى كل ذلك فإنّ «المصادر لا تستبعد حاجة المزايدة الرابعة إلى قانون صادر عن مجلس النواب، وفق ما جاء في التقرير الأخير لديوان المحاسبة، ما يعني تمديد الاستغلال القائم لفترة طويلة مقبلة في انتظار التشريع اللازم في مجلس النواب».
وختمت المصادر: «دخل الملف في نكايات ومصالح عطل بعضها البعض، لتبقى شركة «ليبان بوست» الفائز الأكبر على الدوام متمتّعة بقوة تفاوضية أقوى من قوة الدولة وجهاتها الادارية والرقابية والتنفيذية والتشريعية والقضائية… معاً!».