في تقريرها الأخير الصادر في كانون الأول الماضي حول التوقعات المستقبلية للبنان، اعتبرت وكالة موديز للتصنيف الائتماني أن التوقعات المستقبلية المستقرة للبنان هي انعكاس لتوقعاتها بأن يظل التصنيف عند مستوى “C” في المستقبل المنظور، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن استمرار الفراغ السياسي يزيد من مخاطر حدوث أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية طويلة الأمد في لبنان. علماً أن تصنيف موديز لقي استغراباً من العديد من الخبراء الاقتصاديين والماليين الذين اعتبروا أن فيه الكثير من الإرباك، فيما ذهب البعض إلى طرح تساؤلات حول دقته واحتمال تضمينه مضامين سياسية باتجاه لبنان.
اللافت أيضاً تصويب وكالة موديز في تقريرها على مخاطر تعرض لبنان لمزيد من الاحتدام في صراع إسرائيل وحركة حماس، في إشارة إلى الاشتباكات على الحدود الجنوبية بين إسرائيل و”الحزب” واحتمال تصعيدها باتجاه حرب أوسع. في حين حافظت باقي وكالات التصنيف الائتماني، فيتش و S&P Global، على تصنيف لبنان عند أدنى المستويات، عند “SD” ، وهي حالة التعثر إلى جانب نظرتها المستقبلية السلبية. علماً أن لبنان أخفق في بلوغ جميع معايير التصنيف الائتماني السيادي للدول التي تستند إليها وكالات التصنيف الدولية خلال الأزمة التي دخلت عامها الخامس، ولم يحقق أي تقدم في مسارات الإصلاح.
إذاً، وكالة موديز ثبَّتت تصنيف لبنان الائتماني على مستوى “C” مع تعديل نظرتها المستقبلية للأوضاع الاقتصادية والمالية في لبنان من سلبية إلى مستقرة، علماً أن مستوى “C” هو الأدنى في تصنيفات موديز. لكن هذا التعديل لا يعني تحسناً أو الانتقال من وضعية إلى أخرى، لأن “لبنان سيبقى في قعر التصنيف الإئتماني لوكالة موديز”، بحسب ما يرى رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني. أو بكلام آخر، لبنان مستقر على الانهيار في القاع وليس بعد القاع من انهيار، إذا صح التعبير.
مارديني يوضح عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “تصنيف “C” الذي منحته موديز للبنان في تقريرها الأخير، هو أدنى تصنيف يمكن لأي مقترض الحصول عليه. بالتالي، حين تقول موديز إن لبنان سيحافظ على تصنيف “C”، أي أنه سيكون مستقراً عند هذا التصنيف، هذا يعني أن لبنان سيبقى في قعر تصنيف موديز، ويعني أن احتمال استرداد الدائنين لديونهم التي أعطوها للدولة اللبنانية منخفض جداً، ولا يتعدى 30 أو 35% في أحسن الأحوال”.
أما عن استمرار تعمّق الأزمة المالية والاقتصادية وسط عجز السلطة عن القيام بالخطوات الإصلاحية المطلوبة منذ اندلاع الأزمة في تشرين الأول العام 2019 لتحسين الوضع الاقتصادي وخفض عجز الموازنة، وتداعيات استمرار تراجع الأوضاع المالية على قدرة الدولة في تسديد ديونها وتجنب الانهيار الاقتصادي؟ يؤكد مارديني أن “لبنان لم يقم بأي إصلاحات تسمح للحكومة بأن يكون لديها فائض في الموازنة يمكنّها من تسديد دينها من خلاله”.
يضيف: “على العكس، موازنات الحكومة لا تزال حتى اليوم تُقدَّم متضمّنةً عجزاً كبيراً، كما شهدنا في الموازنة العامة للعام 2024 التي أعدّتها وأرسلتها للتصويت عليها في مجلس النواب. ما يعني أن الدولة لن تستطيع تسديد ديونها، وأن هناك ضغوطاً تضخمية مقبلة على البلد في حال تمّ تمويل عجز الموازنة العامة من خلال المصرف المركزي”.
بالتالي، “إن كل هذا السيناريو، أي عدم القيام بالإصلاحات المطلوبة، وتحديداً نتحدث هنا عن الإصلاحات المالية أي في مالية الدولة، من أجل الوصول إلى توازن في الموازنة العامة ما بين النفقات والواردات، هو سبب بقاء لبنان في قعر التصنيف الائتماني لوكالة موديز”، يختم مارديني.