يترقب موظفو القطاع العام أن يحصلوا في الساعات ال48 المقبلة على الدفعة الأولى من التقديمات أو الزيادة على رواتبهم التي أقرتها حكومة تصريف الأعمال، ما يساهم في ردم نسبة بسيطة من الهوة التي تسبب فيها الإنهيار المالي للرواتب حيث شطب 90 بالمئة منها. إلاّ أن السؤال الأساسي المتداول مع بدء صرف هذه الزيادات، يتركز حول مصادر التمويل والتي لم تتضح بعد.
وفي هذا السياق يرى الخبير ومدير المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني، أن هناك مصادر ومجالات كثيرة لتمويل الزيادات والتقديمات المالية للقطاع العام، مشدداً على وجوب أن يكون الإحتياط الإلزامي خطاً أحمرأً، لا يجب المسّ به لأن اعتباره الخيار الوحيد، ليس صائباً.
وفي حديثٍ ل”ليبانون ديبايت”، يؤكد الخبير الإقتصادي مارديني، أنه يمكن تمويل زيادات مدروسة لموظفي القطاع العام، من خلال ترشيد الإنفاق العام، بمعنى أن زيادة دولار واحد للموظف، تتمّ بعد توفيره من مكان آخر وعبر ترشيد الإنفاق غير المفيد في القطاع العام وذلك في مؤسسات فارغة من المضمون وليس لديها أي إنتاجية.
و ينطبق هذا الأمر على الوظيفة في القطاع العام، حيث يشير مارديني إلى العديد من الموظفين على أساس المحسوبيات والواسطة أي لاعتبارات سياسية وليس على أساس حاجات المؤسسات في القطاع العام، إذ هناك العديد من الموظفين الذين لا ينتجون، ما يستدعي ترشيق القطاع العام وتخفيض النفقات، وهو ما يؤدي إلى ادّخار للمال واستخدامه لزيادة الرواتب والأجور للموظفين المنتجين، يعني بالعربي المشبرح أن يذهب الموظف غير المنتج إلى بيته، وبالتالي تُعطى الزيادات للمنتجين فقط.
وعن احتمال تمويل مصرف لبنان لأي نفقات في هذا الإطار، يعتبر مارديني أنه “لا يجوز أن يموّل منصوري هذه الزيادات، لأن مصرف لبنان لا يعمل على تمويل نفقات الحكومة، وما من بلد في العالم، إلاّ زيمبابوي وفنزويلا، حيث يقوم المصرف المركزي بتمويل نفقات الحكومة و هذا الأمر أدى في هذين البلدين إلى الخراب و أصبحا من أفقر بلدان العالم”.
وعليه يرى مارديني أنه “على الحكومة اللبنانية أن تتحمل مسؤولية أفعالها فهي زادت الرواتب و الأجور ويجب أن تتدبر نفسها”.
وأمّا عن السؤال الأساسي حول تمويل الرواتب و الأجور فيوضح مارديني أن التمويل يبدأ بترشيد النفقات، ووقف التهريب أي التهرّب الجمركي والتهرب الضريبي، على الحدود وعلى المرفأ والمعابر الشرعية وغير الشرعية.
ويضيف مارديني أن وظيفة المصرف المركزي الوحيدة في الحياة، هي المحافظة على استقرار سعر صرف الليرة وزيادة احتياط العملات الأجنبية، ولا يجوز للمصرف المركزي المسّ بهذين الهدفين، ولا يجوز له تخفيض احتياط العملات الأجنبية والمسّ باستقرار سعر صرف الليرة مثلما كان يحصل في الماضي الأمر الذي أوصل للأزمة المصرفية.
إلاّ أن مارديني لا يُخفي خشيته من حصول “ضغط على المصرف المركزي لتمويل هذه النفقات، ما يؤدي إلى السطو على طبقة من أموال المودعين، ولا يجوز أن يوافق المركزي على التمويل، وحتى لو وافق لا يجب أن نسمح له أن يموّل، لذلك يجب إعطاء ما لقيصر لقيصر، وعلى السياسيين الذين وظفوا أنصارهم في الإدارة ويريدون منحهم زيادات، أن يتدبروا أمرهم، فالأمور لا تحتاج إلى فلسفة واللجوء إلى المصرف المركزي سيكون أمراً سيئاً جداً”.