لبنان في دوامة الانهيار: خسائر اقتصادية وإدراج على اللائحة الرمادية يزيدان الأزمة عمقاً!..

لبنان في دوامة الانهيار: خسائر اقتصادية وإدراج على اللائحة الرمادية يزيدان الأزمة عمقاً!..

في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي الذي بات يطال أجزاء واسعة من الأراضي اللبنانية، يتكبد لبنان خسائر اقتصادية جسيمة لم يسبق لها مثيل. فلم تقتصر الضربات على جنوب لبنان والبقاع، بل امتدت لتشمل العاصمة بيروت، مخلّفة أضراراً هائلة في البنية التحتية والخدمات العامة، مما يضيف عبئاً كبيراً على الوضع الاقتصادي المتأزم. وقد وصف وزير الاقتصاد هذه الخسائر بأنها “كارثية”، حيث أصابت الاقتصاد اللبناني في الصميم، ما أدى إلى انهيار قطاعات إنتاجية بأكملها وفقدان عشرات الآلاف من اللبنانيين وظائفهم. ومع أزمة النزوح الكبيرة التي شهدتها البلاد، حيث وصل عدد النازحين إلى 1.2 مليون شخص في أسبوع واحد فقط، تزايدت الضغوط على الموارد القليلة أصلاً، ما وضع لبنان في موقف بالغ الصعوبة مع استضافته لأكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري على مدى السنوات الماضية.وسط هذه الأزمات المتصاعدة، أدرجت مجموعة العمل المالي (FATF) لبنان على لائحتها الرمادية، واضعةً البلاد تحت مراقبة مشددة نتيجة شكوك حول التزامه بمعايير مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. ويهدد هذا القرار بزيادة تعقيد الأزمة الاقتصادية، إذ قد يفتح الباب أمام تدابير مالية أكثر صرامة قد تؤدي إلى وضع لبنان على القائمة السوداء في حال عدم إجراء الإصلاحات المطلوبة.

وفي هذا السياق، وفي مقابلة خاصة مع “ديمقراطيا نيوز”، تحدث الدكتور باتريك مرديني، الخبير الاقتصادي والرئيس التنفيذي للمعهد اللبناني لدراسات السوق (LIMS)، عن الآثار المتوقعة لإدراج لبنان على اللائحة الرمادية والخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تكبدها لبنان في ظل الأزمات المتعددة.يقول مرديني: “التقديرات الأولية تشير إلى أن كلفة الخسائر الاقتصادية في لبنان قد تصل إلى حوالي 10 مليارات دولار، وقد تزيد مع استمرار النزاعات.

كل القطاعات الاقتصادية في لبنان تأثرت بشكل أو بآخر، لكن علينا أن نأخذ بعين الاعتبار مساهمة كل قطاع في الناتج المحلي الإجمالي. فعلى سبيل المثال، يشكل قطاع الزراعة حوالي 3 إلى 4٪ فقط من الناتج المحلي، ورغم تضرره، فإن تأثيره على الاقتصاد الكلي يعد محدوداً مقارنة بقطاع الصناعة الذي يساهم بنحو 13 إلى 14٪. ولكن التأثير الأكبر كان على قطاع السياحة، حيث يشكل قطاع السياحة والسفر جزءاً مهماً من الاقتصاد اللبناني.”

وأشار مرديني إلى أن المساعدات الأولية التي تلقاها لبنان للتعامل مع الأزمة بلغت حوالي 800 مليون دولار لدعم المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى 200 مليون دولار لدعم الجيش اللبناني، مع وعود من ألمانيا بتقديم 96 مليون يورو (أي ما يعادل حوالي 103.57 مليون دولار) كمساعدات إنسانية وتنموية، وتعهدت الولايات المتحدة بتقديم 300 مليون دولار. ويبلغ مجموع هذه التعهدات حوالي 1.1 مليار دولار.

وأضاف مرديني: “على المدى الطويل، لتغطية خسائر وأضرار الحرب، يجب التوجه نحو إعادة الإعمار، إلا أنه من المبكر الحديث عن ذلك في الوقت الحالي. الأولوية الآن هي لوقف التصعيد وتخفيف حدة التوتر”. وحول تأثير إدراج لبنان على اللائحة الرمادية، أوضح مرديني أن هذا القرار سينعكس بشكل مباشر على علاقة البلاد بالمصارف المراسلة الدولية، حيث قد تلجأ هذه المصارف إلى اتخاذ تدابير أكثر تشديداً في تعاملاتها مع المصارف اللبنانية. ورغم تطمينات حاكم مصرف لبنان بأن الأمور تحت السيطرة، فإن تكلفة هذه التعاملات ستزداد نتيجة زيادة التدقيق على التحويلات المالية، ما سيؤدي إلى ضغط إضافي على الاقتصاد اللبناني.

وأردف قائلاً: “هذا التشديد سيؤدي إلى زيادة كلفة التحويلات المالية من وإلى لبنان، خاصةً تلك المتعلقة بتحويلات المغتربين اللبنانيين، بالإضافة إلى تأثيره على عمليات الاستيراد والتصدير، التي تعتمد على تدفقات الأموال من الخارج وإليها”.وأوضح مرديني أن هذه التأثيرات ستكون ملموسة على المدى الطويل، حيث من المتوقع أن تؤدي إلى ضعف في الاستثمارات الأجنبية في لبنان، وهو ما يحتاجه لبنان بشدة في ظل الأزمة المصرفية الحالية.

وأضاف: “لبنان في أمس الحاجة إلى تدفقات العملات الأجنبية (Fresh Dollar)، ولكن مع ضعف الاستثمار، سيؤدي ذلك إلى تقلص في التوظيف والنمو الاقتصادي، وهو أمر سيؤثر بطبيعة الحال على الإنتاجية في البلاد”.وعند سؤاله عن الإصلاحات الضرورية للخروج من هذه الأزمة، أشار مرديني إلى أن إدراج لبنان على اللائحة الرمادية جاء نتيجة عدة عوامل رئيسية تتعلق بضعف هيكلية الدولة وتفشي الفساد داخل مؤسساتها، بالإضافة إلى التقصير القضائي في مكافحة قضايا الفساد وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

وأوضح قائلاً: “يجب أن تشمل الإصلاحات تعزيز دور الهيئات الرقابية، وتفعيل المنافسة للحد من الفساد، وتفعيل دور القضاء في مكافحة هذه الظواهر”.ولفت إلى أن مصرف لبنان قد قام بدوره في هذا السياق، ولكن المشكلة تتجاوز القطاع المصرفي لتشمل التعاملات النقدية الكبيرة التي أصبحت تشكل حوالي 50٪ من الاقتصاد اللبناني حالياً، مما يزيد من الشكوك حول وجود معاملات غير مشروعة. وأضاف: “التعاملات المالية الشرعية عندما تمر عبر القطاع المصرفي تكون أكثر قابلية للتتبع، لكن كلما زاد حجم التعاملات النقدية ازدادت الشبهات حول طبيعتها”.

وختم مرديني حديثه قائلاً: “علينا أن نعمل على استعادة ثقة المواطنين في النظام المصرفي اللبناني، وذلك من خلال فتح المجال لمصارف جديدة تستطيع أن تضيف نوعاً من الاستقرار المالي، وتساهم في تحسين بيئة الاستثمار في البلاد”.يشكل إدراج لبنان على اللائحة الرمادية دعوة ملحة للإصلاح العميق والجذري، ليس فقط لتفادي العواقب الاقتصادية السلبية، بل لاستعادة ثقة المجتمع الدولي والمواطنين بالنظام المالي اللبناني، بما يضمن استقرار البلاد الاقتصادي والاجتماعي في هذه المرحلة الصعبة.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع ديمقراطيا نيوز