بعد نَيلها ثقة المجلس النيابي بأكثرية ساحقة، تُواجه الحكومة اللبنانية التحدّي الأكبر: ترجمة هذه الثقة إلى مشروع تنفيذي متكامل ومتضامن، يُحقّق الإصلاح والتقدُّم. فكيف ستتعامل مع الهدف المرجو وبناء رؤية موحّدة؟
عند تفنيد البيان الوزاري، وهو من أهم البيانات الوزارية التي وردت منذ عقود، هناك تغيير واضح وصارم حيال الشقَّين السياسي والأمني. أمّا على الصعيد الإقتصادي فليس هناك تغيُّرات كبيرة مقارنةً مع البيانات الوزارية الأخيرة، لأنّ لا خلاف على الأولويات مثل مكافحة الفساد، الإصلاح، تنفيذ الإصلاحات، إعادة الإنماء، والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لكنّ الخلاف الأساسي هو ليس بالوعود لكن بترجمتها إلى تنفيذ وملاحقة دقيقة.
فبعد الثقة والوعود، حان الوقت لترجمة ثقة المجتمع الدولي وثقة الشعب، وثقة مجلس النواب، إلى مشروع متكامل متضامن، مع رؤية موحّدة، يُنفّذ خلال السنة ونصف السنة المقبلة.
لن نتوقع إعادة إعمار ما هُدّم للدولة ومؤسساتها في السنوات الأخيرة والعقود المنصرمة، لكن على الأقل يبقى الهدف هو إعادة لبنان على السكّة الصحيحة، وانفتاحه من جديد نحو الرادارات الإقتصادية العالمية.
على كل وزير في هذه الحكومة العتيدة، أن يضع خطة على المدى القصير، مع أهداف واقعية يُمكن تحقيقها، وتراكم النجاحات حتى الصغيرة منها، للوصول إلى أهداف أكبر. نحتاج إلى قصص نجاح لإعادة الثقة والرؤية.
من أهم المشاريع المرجوة، هي إعادة هيكلة المصارف والقطاع المالي والنقدي، وهذا يبدأ بمصارحة المودعين والإتفاق على جدول زمني واضح لكيفية إعادة الودائع. من دونها، لا يُمكن إعادة الثقة بالقطاع المصرفي الحالي، ومن دون قطاع مصرفي من المستحيل إعادة الإنماء.
أمّا في ما يتعلق بإعادة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، علينا أن نكون يداً واحدة في هذه المفاوضات الشائكة. فإنّ المرور عبر هذا الإتفاق إلزامي، ليس للأموال المقترضة، الضئيلة الموعودة، لكن خصوصاً لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة منذ عقود، وإعادة ثقة الدول المانحة.
ليس علينا القبول بكل المقترحات مثل شطب الودائع أو طَيّ صفحة السجلّات القديمة، لكن من جهة أخرى، علينا تنفيذ وملاحقة القوانين المرجوّة مثل مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والفساد والحَدّ من الإقتصاد الأسود والموازي وإقتصاد الكاش المؤذي.
أمّا في موضوع الموازنة، فلا يُمكن فرض موازنة ضريبية على الشعب والشركات بعد سنة من الحرب، التي جمّدت أعمالهم وإنماءهم وكبّدتهم خسائر هائلة.
نذكّر ونشدّد على أنّ زيادة الضرائب لم تزد يوماً مداخيل الدولة، لكن زادت التهريب وشجّعت الإقتصاد الأسود.
نتمنّى من الحكومة التركيز على الجباية أولاً على كل الشعب والمناطق بطريقة عادلة وشفّافة، ومن ثم التحدّث عن زيادة أي ضرائب، فالضرائب يجب أن تُستعمل ليس لسدّ الفجوات والخسائر والهدر والسرقات، لكن للإستثمار وخلق الوظائف والإنماء.
من أولويات الحكومة، إخراج لبنان من القائمة الرمادية، لأنّ المخاطر كبيرة، وإدراج لبنان على القائمة السوداء سيكون الضربة القاضية لما تبقّى لبلدنا واقتصادنا.
من بعد زيارة فخامة الرئيس إلى المملكة العربية السعودية ومصر وبعض البلدان العربية، إنّ الأولوية القصوى تبقى في رفع منع السفر إلى لبنان، ولا سيما فتح الحدود البرية من جديد أمام البضائع والمنتجات اللبنانية، لأنّ هذا الإقفال، قد خنق اقتصادنا، ومن دون انفتاحنا على بلدان الخليج من جديد لا إنماء ممكن.
في المحصّلة، لا شك في أنّنا إيجابيّون ومتفائلون، وقد استرجعنا الأمل والثقة، لكن إذا أردنا الخروج من هذا النفق الغامض، وملاحقة أشعة الشمس، التي اخترقت هذا النفق المظلم، فعلى الحكومة ترجمة الثقة، الدولية، الإقليمية والداخلية، إلى خطة تنفيذية واضحة، مع ملاحقة دقيقة.
مشكلتنا الأساسية في لبنان، لم تكن يوماً بالوعود الوهمية، وبالخطط والاستراتيجيات غير الواقعية، لكنّ مشكلتنا الأساسية كانت ولا تزال في التنفيذ الجدّي والصارم والملاحقة الدقيقة، التي تُشكّل 80% من نجاح أي مشروع.