إن الشيك هو صك مكتوب وفق شروط شكلية معينة في القانون ويتضمن أمراً صادراً من شخص يسمّى الساحب إلى شخص آخر هو المسحوب عليه بأن يدفع لشخص ثالث أو لأمره أو للحامل، وهو المستفيد، مبلغاً معيناً بمجرد اطلاعه على الشيك.
ولكن، في ظل الأوضاع الاقتصادية والنقدية والمالية الاستثنائية التي يمرُّ بها لبنان منذ ما يقارب الأربع سنوات والتي أدّت إلى تدهور قيمة الليرة اللبنانية مقابل العملات الأجنبية، ما انعكس أيضاً على التداول بالشيكات، أصبح الشيك غير قابل للتصرف به إذا كان بالعملة الأجنبية، ولم يعد بإمكان المستفيد منه تحصيل قيمته الإسمية. وبالتالي، فإنه لم يعد الشيك أداة للوفاء تحل محل النقود. وأكثر، إن مجرد تسليم الشيك إلى المستفيد لا يعتبر بحد ذاته وفاء تاماً للدين، إنما هو وفاء معلق على شرط إمكانية تحصيل قيمة الشيك كاملة من المسحوب عليه، بحيث أن الوفاء لا يتم إلاّ عند تحصيل هذه القيمة من المسحوب عليه. وأكثر، لا يعتبر الإيداع لدى الكاتب بالعدل بموجب شيك، في ضوء الأزمة النقدية والمصرفية الحالية، بمنزلة الإيداع النقدي الذي ينقل المبلغ المودع فوراً وكاملاً، إلى يد الدائن كيما يصح اعتباره ايفاء مبرئاً للذمة تبعاً لانتفاء ما يثبت أن المؤونة، التي تمثلها قيمة الشيك، سيستوفيها الدائن بتاريخ استلامه إياه دفعة واحدة، وبصورة كاملة غير مجزّأة، خاصة أنه لا يُجبر الدائن على قبول الإيفاء المجزأ طبقاً لما تنص عليه المادة 300 من قانون الموجبات والعقود.
وفي السياق عينه، اعتبر بعض الاجتهاد أن الشيك هو أداة للوفاء لدى الاطلاع، تقوم مقام النقود في التعامل، إلاّ أنها وسيلة إيفاء معلّقة على شرط مزدوج هو وجود مؤونة كافية في الحساب المصرفي توازي قيمة الشيك، وتحصيل الدائن قيمة الشيك فعلياً لدى المصرف، فإن مجرد تسلّم الدائن الشيك لا يشكّل إيفاء للدين، ولا يؤدي إلى إبراء ذمة المدين إلاّ بعد قيام الدائن فعلياً بقبض قيمة الشيك. وبالتالي، لا يكون العرض والإيداع الحاصل بموجب شيك بمثابة إيفاء فعلي للدين، إذ يعتبر غير كافٍ بذاته لإبراء ذمة المدين، لأن هذا الإبراء لا يتم إلّا عند قبض الدائن قيمة الشيك. وأكثر، إن الأحكام ذاتها التي ترعى الشيك العادي تنطبق على الشيك المصرفي، وبالتالي، لا تكون معاملة العرض والإيداع الحاصلة بموجب شيك مصرفي صحيحة وقانونية، ومبرئة لذمة المدين، وإن كون مؤونة الشيك المصرفي محجوزة لدى المصرف المسحوب عليه لأمر المستفيد حصراً، ليس من شأنه أن يؤثر في النتيجة المذكورة، ذلك أن هذا الشيك فقد جزءاً كبيراً من قيمته في التعامل في أيامنا هذه، ولم يعد قابلاً للتحصيل فعلياً ونقداً لدى المصارف، وبالتالي في جميع الأحوال لا يعتبر مبرئاً لذمة المدين.
ولا يمكن وصف إيداع الشيك بقيمة الدين لدى الكاتب بالعدل بالعرض الفعلي. علماً، أنه في الأزمة الراهنة، وفي ضوء الواقع المصرفي المعلوم من الجميع حيث لم تعد غالبية المصارف تقبل ودائع بواسطة شيكات مصرفية أو تدفع قيمتها كاملة ودفعة واحدة إلى المستفيد منها، ما يجعل المؤونة غير أكيدة، وهذا ما أخذ به الرأي الذي يشير إلى أن مفهوم الشيك ليس سوى وسيلة للإيفاء معلقة نتيجتها على شرط تحصيل القيمة فعلياً ونقداً من المصرف المسحوب عليه.
وللتوضيح أكثر، نُشير إلى أن البلاد تمرّ منذ خريف العام 2019 بأزمة اقتصادية ومالية ونقدية طالت القطاع المصرفي بشكل خاص، وأدّت إلى حرمان المودعين لدى المصارف من سحب أموالهم المودعة لديها بحرية كما كان الأمر عليه في السابق.
علماً بأن مصرف لبنان كان قد أصدر مجموعة من التعاميم الموجهة إلى المصارف تتعلق بقيمة تسديد الدولار بالليرة من 3900 إلى 8000 إلى 15000 وصولاً إلى سعر منصة صيرفة. وان الشيك المسحوب بالعملة الأجنبية، وإن كان قابلاً للتسييل مبدئياً نقداً في السوق، إلاّ أن ذلك يتم لقاء قيمة أقل بكثير من قيمته الإسمية. وبالتالي، إن سحب شيك مصرفي مُحرر بالدولار بقيمة الدين وايداعه، لا يمكن اعتباره ايفاء تاماً، بحيث انه لا يقوم مقام إيداع مبلغ من النقود مساو لقيمة الدين المتوجب، ولا يعتبر ايداعاً قانونياً محققاً للشروط الواجب توافرها سنداً للمادة 822 من قانون أصول المحاكمات المدنية. لذلك، لا يعتبر العرض الفعلي والايداع بموجب شيك مبرئاً للذمة. فالشيك هو وسيلة ايفاءً لدى عرضه وليس تسليم الشيك ايفاء حكماً، كما هو تسليم المال نقداً والذي يتصف بالإيفاء الفوري. وان تسليم الشيك للدائن لا يحرر المدين من دينه إلّا بعد عرضه واستيفاء قيمته، فيكون ايفاءً مكتملاً. وما يؤكد ان الشيك ليس بحد ذاته ايفاءً، هو اشتراط أن تكون المؤونة متوفرة وقابلة للاستعمال وإلّا كان لحامل الشيك الادّعاء على ساحبه.
وبالتالي، يتضح مما سبق ذكره، ان الشيك ليس إلّا وسيلة ايفاء تبدأ عند سحب الشيك ولا تنتهي إلّا بالإيفاء الفعلي والقبض، ويمكن ألاّ يؤدي إلى الإيفاء في حال انتفاء المؤونة أو عدم قابلية هذه المؤونة للاستعمال. وهذه الظروف الاقتصادية والمالية والمصرفية التي تمر بها البلاد المعلومة من الكافة والمتداولة في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي ومن خلال التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان، تفيد ان العمليات المصرفية لا تسير على طبيعتها، والسحوبات متوقفة إلاّ بشروط عسيرة والشيكات المسحوبة وإن تكون مسحوبة على مصرف لبنان غير قابلة للتحصيل من المسحوب له، وإن وُجدت المؤونة وذلك تبعاً لعدم قابليتها للاستعمال وامتناع المصارف عن تسديد قيمتها. وهذه الظروف أدّت إلى جعل التعامل العادي بالشيك غير مستوفي للشروط ومنها قابليته للإيفاء، مما يشكّل في حال القبول به اجحافاً بحق الطرف الدائن في تحصيل دينه مقابل اثراء غير مشروع للطرف المدين على حساب الأول، ويقتضي على القاضي السعي إلى منع هذا الإجحاف بما يتفق وواقع الحال والعدالة التي من واجبه توفيرها للناس.
واستطراداً، لا بد من الإشارة إلى أنّ تعميم مصرف لبنان رقم 165 الصادر في نيسان 2023 وتعديلاته يسمح بتبادل شيكات صادرة عن حسابات Fresh بالليرة اللبنانية وبالدولار الأميركي لاستعمالها مجدّداً في العمليات التجارية والمالية، وبدأ العمل به خلال شهر حزيران 2023.
بعدها، نشير مجدّداً، إلى أن الشيك يُعتبر وسيلة ايفاء بالرغم من انه لا يُعتبر كاف بحد ذاته للقول بأن الدين قد دفع، كون الأموال لا تصبح بحوزة الدائن إلّا بعد عرض الشيك على المصرف وقبضه المبلغ المعين فيه. واعتبر الاجتهاد، في مرحلة أخرى، أن الشيك وإن كان يشكّل وسيلة دفع وايفاء إلّا انه لا يساوي الإيداع النقدي الذي يبرئ ذمة المدين ما لم يكن مقترناً بما يدلّ على أن المؤونة محجوزة في المصرف وموجودة. وبالتالي، ان إيداع شيك مسحوب لأمر الدائن ودون أن يثبت وجود المؤونة التي من شأنها عند قبض الشيك بأن تشكل ابراء للذمة، لا يصح اعتباره ايداعاً فعلياً بمفهوم المادة 822 أ.م.م، بل ان الإيفاء يكون تاماً بتسديد المبلغ نقداً للمسحوب لأمره لدى عرض الشيك على المصرف.
وذهب رأي إلى القول إنه من المسلّم به أنه يجب الوفاء بالشيء المستحق نفسه، ولا يُجبر الدائن على قبول غيره (المادة 299 من قانون الموجبات والعقود). ولهذا، فإن للمؤجر أن يرفض الوفاء بالشيك.
غير أن الأمر يختلف عندما يكون الشيك مصرفياً. ففي هذه الحالة، تخرج الأموال موضوع الشيك من يد المدين وتصبح محجوزة لدى المصرف المسحوب عليه لصالح المستفيد ويعتبر كأنه استلم الأموال. ولكن، الإشكالية برزت في هذا السياق، بعد الأزمة الاقتصادية المصرفية في البلاد، وعدم سماح المصارف للمودعين بسحب أموالهم. مما أدى إلى فقدان الثقة إلى حد كبير بالتعامل بالشيكات.
بالمقابل، برزت آراء تُشير إلى أنه ليس من شأن الإدلاء بأن المصارف ترفض صرف الشيكات، الإفضاء إلى اعلان بطلان الإيفاء بايداع شيك مصرفي، في ضوء عدم ثبوت وقف التداول بالشيك المصرفي، حتى تاريخه، واستمرار اعتماده في ايفاء العديد من المستحقات. كما ان العرض الفعلي والايداع هو من الوسائل القانونية لإبراء ذمة المدين، في ضوء أحكام المادة 822 من قانون أصول المحاكمات المدنية. والإشكالية القانونية المطروحة في هذا السياق، تتمثل في معرفة ما إذا كان سحب شيك وبالعملة المحددة في العقد، يقوم مقام إيداع مبلغ من النقود مساو لقيمة الدين المتوجب. والعرض والايداع بالنسبة إلى المبلغ النقدي يمكن أن يحصل بالنقود أو بما يماثلها من وسائل الوفاء الجائزة قانوناً. وقد نصت المادة 425 من قانون التجارة على أن الشيك قابل للإيفاء لدى الاطلاع وكل شرط مخالف يُعد لغواً. والشيك المصرفي هو الشيك المسحوب لأمر شخص محدد من مصرف معيّن على أحد فروعه أو على فرعه الرئيسي أو على المصرف المركزي، فيتم حجز قيمته لمصلحة المستفيد. وان الشيك المصرفي يُعتبر أداة للوفاء والمؤونة محجوزة للمستفيد من الشيك، فإن القيام بسحب شيك مصرفي بالدولار الأميركي، وبرصيد الثمن المتوجب في العقد، يحقق الشروط الواجب توافرها في المادة 822 أ.م.م لناحية حصول العرض الفعلي والايداع بالعملة المتفق عليها. وقد ورد أيضاً في الاجتهاد، أن عرض دفع البدل بموجب شيك يعتبر عرضاً يفي بالغرض، إذ ان المالك، في مجال دفع البدلات، لن يخسر إذا ثبت أن قيمة الشيك ليست متوافرة، أي إذا ثبت أنه لم يكن للشيك مؤونة بقيمة البدلات، باعتبار ان عدم توفر المؤونة يؤدي إلى اعتبار المستأجر متأخراً عن دفع المتوجب عليه، مما يؤدي إلى إخلائه من المأجور وفسخ عقد اجارته لعدم الدفع.
هذه هي الإشكالية التي يعاني منها المواطن بعد الأزمة المصرفية المالية الاقتصادية الخانقة.