87 مليار دولار خسائر: خطة مصرف لبنان لإعادة الودائع بين الواقع والطموح

يعكف مصرف لبنان حالياً على إعداد خطة شاملة لمعالجة الخسائر في النظام المصرفي اللبناني، لم تُعرض بعد على مجلس الوزراء، ومن المتوقع أن يحملها الوفد اللبناني إلى اجتماعات الخريف لصندوق النقد الدولي في تشرين المقبل. تسربت مجموعة من النقاط الأساسية عن هذه الخطة، تُقدر في عنوانها العريض مجمل الخسائر بالنظام المصرفي اللبناني بنحو 87 مليار دولار.

تتضمن الخطة المقترحة رد حوالي 21 مليار دولار نقداً للمودعين، وشطب نحو 32 مليار دولار من الودائع، وتحويل ما بين 32 إلى 34 مليار دولار إلى سندات وأسهم سيحملها المودعون لفترة تصل إلى 15 عاماً من أجل استرداد أموالهم. تواجه هذه الخطة تحديات تقنية كبيرة، إذ قد لا تتمكن الدولة ومصرف لبنان من الخروج بحلول ترضي المودعين، خصوصاً في ظل تراجع الموارد والنقص الكبير فيها.

تُظهر الأرقام أن مصرف لبنان لا يملك اليوم سوى 11.8 مليار دولار من احتياطات النقد الأجنبي التي تعود للمودعين، فيما ستؤمن الدولة حوالي 10 مليارات دولار إضافية كبدل دين عليها لمصرف لبنان، وذلك بعد شطب تسعة مليارات دولار من هذا الدين.

يرفض المودعون هذه الخطة جملة وتفصيلاً، حيث سيؤدي إرجاع الودائع نقداً على فترة ثلاث سنوات إلى تآكل قيمتها بما لا يقل عن 30 إلى 40%. سجل التضخم بالدولار في لبنان منذ بداية العام حوالي 15%، ما يعني أن المئة دولار اليوم كانت تساوي 115 دولاراً في العام الماضي، وكلما طالت المدة، تزداد الخسائر بالنسبة للمودعين.

تقترح الخطة إعادة أموال المودعين الذين يحملون بين 200 ألف دولار ومليون دولار على شكل سندات، دون البحث في جدوى هذه السندات أو وجود فوائد عليها، ودون النظر إلى ضعف سوق التداول المالي في لبنان وانعدام الثقة، إضافة إلى ربطها بأصول الدولة المتهالكة وغير المنتجة والمنخفضة الثمن. أما الودائع التي تفوق المليون دولار فستتحول إلى أسهم في المصارف، وهو ما سيكون ذا قيمة منخفضة جداً في ظل الوضع المصرفي الحالي.

تؤثر هذه الخطة سلباً على مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي الذي يشترط إصلاحات جذرية قبل أي تمويل. اختتم وفد صندوق النقد الدولي مفاوضاته مع وزارة المالية والمسؤولين اللبنانيين، وأشار وزير المالية إلى وجود بعض العقبات التي تواجه تنظيم الاتفاق مع الصندوق، ولا سيما قانون الفجوة المالية.

تبرز مشكلتان أساسيتان: الأولى هي قدرة الدولة اللبنانية على استدامة الدين، خصوصاً أن خطة مصرف لبنان تتجه نحو تحميل الدولة جزءاً كبيراً من هذه الديون، ما يضعف قدرتها على رد الديون لصندوق النقد الدولي. والثانية أن صندوق النقد يشترط تحقيق الحكومة اللبنانية فائضاً أولياً في موازنتها بحدود 1.7%، في حين أن كل ما استطاعت الدولة تحقيقه خلال العامين الماضيين هو فائض بنسبة 0.2% فقط. ستترتب على أي زيادة في هذا الفائض المزيد من الضرائب والرسوم على المواطنين.

طُرحت فكرة السندات المدعومة بالأصول، حيث شهد لبنان خلال الفترة الماضية مجموعة من اقتراحات القوانين لإنشاء صندوق سيادي لوضع أصول الدولة فيه واستثمارها بالتعاون مع القطاع الخاص من أجل التعويض على المودعين، إلا أن هذه الاقتراحات لم تتحول إلى قوانين ولم تبصر النور بعد. وباستثناء قلة قليلة من أصول الدولة، ولا سيما الأصول العقارية على الواجهة البحرية المرتفعة الثمن، فإن بقية أصول الدولة اللبنانية متهالكة.

تشمل هذه الأصول المتهالكة الكهرباء التي هي مؤسسة عامة خاسرة، والمياه كذلك، والاتصالات التي كانت تؤمن مردوداً مالياً بمليار ونصف دولار منذ إنشائها وأصبحت اليوم كل مردودها 200 مليون دولار فقط، إضافة إلى حصرية الطيران والترفيق والعديد من الأمور الأخرى.

يجب على الدولة أن تتخفف من الإنفاق الكبير على هذه المؤسسات الذي يبلغ 50% من الموازنة ويذهب كأجور للمؤسسات العامة والإدارات. ينبغي التخفف من كل هذه المؤسسات وإشراك القطاع الخاص فيها وإدخال المنافسة لتقديم الخدمات ولتحصيل الضرائب، وبالتالي التخفف من عبء الدفع عليها واستبدال كل هذه الأموال التي تُدفع من الضرائب والرسوم، ولا سيما غير المباشرة التي تصل إلى 83% من موازنة 2026.

لم يتم حتى اليوم أي إصلاح من هذه الأمور، وهذا كان أحد مخاوف صندوق النقد الدولي الذي اشترط، إضافة إلى إصلاح المصارف وإعادة هيكلتها، إصلاح القطاع العام وإعادة هيكلته أيضاً.

اضغط هنا لمشاهدة المقابلة كاملة على قناة سكاي نيوز