تلوث الليطاني وانفجار مجارير بيروت: المسؤولية في مكان آخر

تلوث الليطاني وانفجار مجارير بيروت: المسؤولية في مكان آخر

بعيدا مما رشح عن اجتماع لجنة الأشغال النيابية من معلومات عن اهمال وأموال قروض لم تترجَم بإقامة محطات تكرير للصرف الصحي، وعلى وقع الاتهامات المتبادلة على خلفية فيضان مجرور الرملة البيضاء، يبدو واضحا ان المشكلة في جانب آخر وهي نتيجة سوء إدارة القطاع بكامله.

قبل اسبوعين تقريبا، طافت شوارع بيروت بالمجارير وغرقت السيارات بمياه الأمطار. وسبقت هذا اليوم المشؤوم احتجاجات في بلدتَي حوش الرافقة وبر الياس البقاعيتين بسبب تلوّث نهر الليطاني وازدياد حالات الوفاة بأمراض السرطان في المنطقة بنسب باتت تشكل 3 أضعاف النسب الوطنية، فيما أعربت لجنة إنقاذ نهر الليطاني عن الحالة المأسوية التي وصل إليها النهر، محذرة اللبنانيين من أنه “إن سلمتم من رائحة الليطاني فستتضررون من المزروعات التي يتم ريّها منه”. وعلى رغم أن هذين المشهدين لا يمتان الى بعضهما بصلة، إلا أنهما نتيجة المشكلة عينها وهي سوء شبكة الصرف الصحي. فهذه المشكلات ليست بجديدة ولا يزال لبنان يعاني منها منذ أكثر من 30 عاما، أي عندما أصدرت الدولة قرارا بوقف الصيد في بحيرة القرعون نظرا الى ارتفاع نسبة التلوث فيها.

وفق محلل السياسات الاقتصادية في المعهد اللبناني لدراسات السوق مجدي عارف، يستفيد نحو 60% من السكان من شبكات الصرف الصحي، في حين يضطر 40% منهم الى رميها في الحفر الصحية أو تحويلها إلى الأنهر.

وليس خافيا أن أحد الأسباب الرئيسية لتلوث المياه الجوفية هو تسرب مياه الحفر الصحية إليها، بسبب اهتراء الشبكات الموجودة، فيما المناطق التي حوّلت مياهها الآسنة الى الأنهر، ينتهي بها المطاف إما بالأراضي الزراعية فتروى المزروعات منها، أو تصب في البحر من دون تكرير، مما يتسبب بمشكلات للصيادين والمنتجعات والمقاهي على طول الشاطئ اللبناني، اضافة الى الأمراض الجرثومية والسرطانية التي تصيب اللبنانيين. وإذ يحمّل البعض مسؤولية ما يحصل من اهمال لمجلس الانماء والاعمار والبلديات والمحافظ، يعتبر عارف أن هذه المشكلات هي نتيجة سوء إدارة قطاع بكامله، مستندا بذلك الى القانون الذي حمّل مؤسسات المياه مسؤولية الصرف الصحي. إذ يوضح انه بحسب قانون تنظيم قطاع المياه (221/2000)، وتحديدا المادة الرابعة منه التي نصت على أن على مؤسسات المياه “درس وتنفيذ واستثمار وصيانة وتجديد المشاريع المائية لتوزيع مياه الشفة والري وجمع ومعالجة وتصريف المياه المبتذلة وفقا للمخطط التوجيهي العام”. وأكد ان البلديات في السابق كانت مسؤولة بشكل أساسي عن تصريف المياه المبتذلة وأعطيت لها الحرية للتصرف بها، وقال: “لكن اليوم وبسبب عجز مؤسسات المياه الأربع عن إيجاد الحلول، تقوم مؤسسات عدة بمشاريع مكلفة لحل المشكلة، كمجلس الإنماء والإعمار ووزارة الطاقة والمياه ومجلس الجنوب وفي بعض الحالات البلديات”.

ولفت الى ان مؤسسات المياه الأربع تعاني من عجز مادي كونها لا تغطي تكاليف تشغيل واستثمار شبكات المياه. وهي لم تتسلم حتى الآن مسؤولية الصرف الصحي كونها غير قادرة على إدارة قطاع المياه فكيف بالاثنين معا. وقد دفع هذا العجز مؤسسات أخرى كمجلس الإنماء والإعمار ووزارة الطاقة والمياه ومجلس الجنوب وفي بعض الحالات البلديات الى محاولة التخفيف من الأزمة كل على طريقته، بما أدى الى تداخل الصلاحيات وتشابكها. ففي أزمة الرملة البيضاء تحديدا، رمت كل الأطراف المسؤولية على بعضها البعض بسبب تشابك المسؤوليات، بما سمح لهم بهامش كبير من الأخطاء التي تمكنهم من الاحتماء خلفها، وفق ما يوضح عارف. كما أن هذه السياسة “لا تلحظ محاسبة حقيقية للمسؤولين كون هذه المؤسسات خاضعة لوصاية الدولة التي تقوم بتعيين مديري مؤسسات المياه، على نحو يجعلها خاضعة للتجاذبات والمحسوبيات السياسية”. ويشير الى أن “خدمة الصرف الصحي مجانية، ما يعني أن زيادة الانفاق عليها ستزيد الخسائر على مؤسسات المياه”.

ويستند عارف الى تجارب دول اخرى عانت كما لبنان، وكانت النتيجة أن سلمت هذا القطاع الى القطاع الخاص، “عدد كبير من المدن الأميركية أخذت هذا الخيار، نظرا الى ما تستقطبه من رؤوس أموال، وتحسين الخدمة للمواطن”. لذلك يرى أنه “يجب وضع سعر لخدمة تكرير مياه الصرف الصحي على نحو يعكس الكلفة الحقيقية، في حين تستطيع الدولة اليوم التخفيف من الأعباء المالية والإدارية عبر السماح لشركات خاصة بإدارة قطاع الصرف، فتحظى الدولة بمردود مقابل تسليمها للشركات الخاصة”. وهذا الامر “سيساهم في جذب الاستثمارات الى القطاع، بما يضمن تركيب شبكة جديدة تصل الى كل السكان وتكون الشركات الخاصة مسؤولة أمام الزبائن والدولة”.

يبقى القول إن أحد الاسباب الرئيسية لمعالجة هذه المعضلة والذي يتذرع به السياسيون والدولة، يتعلق بنقص الأموال، علما أنها ليست برأي عارف “إلا ذريعة للاستحصال على أموال إضافية لانفاقها كمبلغ 4.85 مليارات دولار من مؤتمر “سيدر” الذي خصص لمشاريع المياه والصرف الصحي، والذي سيزيد الدين من دون ضمانات بنجاحها”. 

إضغط هنا لقراءة المقال على الموقع النهار