خطوة لافتة أعلن عنها حاكم مصرف لبنان امس بهدف امتصاص غضب صغار المودعين في المصارف التي قبضت على أموالهم، لا سيما الودائع بالعملات الأجنبية. تلك التي، بفعل إجراءات غير قانونية قامت بها المصارف، لم تعد في متناول أصحابها. فالشحّ في السحب يكبر يوماً بعد يوم، إن بالليرة أو الدولار، والذلّ كذلك.
فبعدما سحب مشروع قانون ما يعرف بـ”الكابيتال كونترول” من التداول في مجلس الوزراء، بعد الاعتراض السياسي عليه، أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أمس تعميمين أساسيين، الأول منه حمل الرقم 148، ويتعلّق بصغار المودعين، لناحية السحوبات، وآلية جديدة ستتّبعها المصارف من أجل ذلك بموافقة العميل. وأبرز ما جاء في التعميم أنّه في حال طلب أي عميل لا يتعدّى مجموع قيمة حساباته الدائنة كافة، مهما كان نوعها و/أو آجالها، لدى المصرف، خمسة ملايين ليرة، بتاريخ صدور القرار، يجب إجراء سحوبات أو عمليات صندوق، نقداً، من هذه الحسابات. وعلى المصارف أن تقوم بما يلي:
– تحويل المبلغ المطلوب سحبه إالى الدولار الأميركي وفقا للسعر الذي يحدّده مصرف لبنان في تعاملاته مع المصارف.
– تحويل المبلغ بالدولار الأميركي الناتج عن عملية الصرف موضوع البند السابق ذكره إلى الليرة اللبنانية وفقا لسعر السوق بتاريخ طلب السحب من قبل العميل.
– تسديد المبلغ الناتج عن عملية الصرف المحدّدة في البند أعلاه للعميل.
– بيع من مصرف لبنان الدولار الأميركي الناتج عن العمليات المشار إليها في البند (2) من المقطع “أولا”، هذا وذلك، وفقا لسعر السوق.
أما في حال طلب أي عميل لا يتعدّى مجموع قيمة حساباته الدائنة كافة، مهما كان نوعها و/أو آجالها، لدى المصرف 3 آلاف دولار أو ما يوازيها، بأي عملة أجنبية أخرى، من هذه الحسابات، على المصارف العاملة في لبنان، أن تقوم بتسديد السحوبات أو عمليات الصندوق نقداً من هذه الحسابات أو المستحقات للعميل بما يوازي قيمتها بالليرة اللبنانية وفقا لسعر السوق يوم تنفيذها.
أما التعميم الثاني الذي يحمل الرقم 149، فطال كل من المصارف وشركات الصيرفة. اذ أعلن المصرف المركزي إنشاء وحدات خاصة، في مديرية العمليات النقدية في مصرف لبنان تتولى التداول بالعملات الأجنبية النقدية، وخصوصاً بالدولار الأميركي، وفقاً لسعر السوق، وإنشاء منصّة إلكترونية، بهدف تأمين العملات النقدية الأجنبية لحاجات الاقتصاد الوطني وخصوصاً الدولار.
بحسب مصدر مقرّب من لجنة الرقابة على المصارف، فإنّ نسبة الحسابات الصغيرة من مجموع الحسابات المصرفية لن يقلّ عن 60 إلى 65 في المئة منها. وقال المصدر لـ”أساس” إنّ قيمة الأموال لا تتجاوز الـ750 مليون دولار، وقد تصل إلى 800 أو 850 مليون دولار، في حال قسّم بعض المودعين حساباتهم إلى أكثر من حساب.
علما أنّ هذا التعميم أثار التباساً حول المقصود منه عندما أشار إلى السحب بالليرة اللبنانية حسب سعر صرف السوق. فهل المقصود بذلك هو السعر الذي حدده حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وبزيادة 30 في المئة عن سعر الصرف الرسمي ليصل الى 1970 ليرة في السوق الموازي؟ وهل يعني ذلك إقفال الحسابات؟
بحسب الخبير الاقتصادي، الدكتور باتريك مرديني، فإنّ سلامة يسعى من خلال التعميم إلى “فرض قيود مصرفية على السحوبات لأصحاب الودائع، فوق الثلاثة آلاف دولار أو 5 ملايين ليرة، فيقول لهم بطريقة غير مباشرة إنّه لا يمكنهم سحب وديعتهم بالدولار إلا بالليرة وعلى سعر صرف 1500 ليرة، في حين أنّ سعر دولارهم المودع في المصرف التجاري بات يلامس الثلاثة آلاف ليرة، ما يعني قصّاً مقنّعاً للودائع لكلّ الحسابات فوق المبلغ المذكور في التعميم، بنسبة 50 في المئة”.
ويعتبر مرديني في حديث لـ”أساس” أنّ التعميم 148 “ما هو الا تطبيق لقانون الكابيتال كونترول، الذي عجزت الحكومة عن التصويت عليه، وإرساله إلى مجلس النواب، بسبب ما يمكن أن يثيره من غضب شعبي. فضلا عن وجود غموض حول السحوبات ستكون بسعر الصرف الموازي. فهل هو السعر الذي حدّده مصرف لبنان مع الصيارفة المسجلين لدى مصرف لبنان، اي 2000 ليرة، أم سعر الصرف الحالي”.
أما التعميم 149 عن إنشاء وحدات خاصة في مصرف لبنان للتداول بالعملات الأجنبية النقدية، وخصوصاً بالدولار الأميركي، وفقاً لسعر السوق، فهدفه بحسب مرديني “لجم أعمال الصيرفة غير الشرعية، ليصبح مصرف لبنان، بالتنسيق معهم، هو من يحدّد سعر صرف السوق”.
باختصار فإنّ صاحب مبلغ الثلاثة آلاف دولار سيتمكن من سحب أمواله إما على مبلغ 6 ملايين ليرة إذا اعتمد سعر الصرف 2000 ليرة، أو حوالي 9 ملايين إذا اعتبر أنّ سعر الصرف هو السعر الحالي، والذي لامس الـ3000 ليرة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى صاحب الوديعة البالغة 5 ملايين ليرة، الذي سيتمكّن من تحويلها إلى الدولار على سعر صرف الرسمي، أي 1500 ليرة، ومن ثم يقوم بسحبها على سعر صرف السوق، أي بآلية الـ3 آلاف دولار”.
ويختم مرديني بتأكديه أنّ “حاكم مصرف لبنان لم يقم بعملية هيركات على الودائع فوق المليون دولار، بل قام بعملية هيركات للودائع فوق الثلاثة آلاف دولار”.