المصارف والدولة تكبدان المودعين الخسائر.. مارديني لـ «جنوبية»: الدولار خلفنا المجاعة أمامنا!

المصارف والدولة تكبدان المودعين الخسائر.. مارديني لـ «جنوبية»: الدولار خلفنا المجاعة أمامنا!

شكل انشغال اللبنانيين بفيروس “كورونا” المستجد وحالة التعبئة المعلنة، فرصة “ذهبية” إقتنصتها المصارف كي تقرر وقف دفع الدولارات لزبائنها. اذ فاقم تفشي وباء “كورونا”، أزمة شحّ الدولار في السوق اللبناني، مع توقف المصارف اللبنانية من الدفع الدولار للمودعين، تحت ذريعة توقف حركة الطائرات علما أن قرار إقفال المطار يستثني طائرات الشحن. 

لكن الأخطر، كان رمي الدولة اللبنانية الكرة بملعب المصارف بعدما تم سحب مشروع “الكابيتال كونترول” والاستعاضة عنه بتعاميم تصدر عن المصرف المركزي.

وبعد تهريب أموال المدعومين وأصحاب النفوذ إلى الخارج، ومن بينها تحويل أموال إلى مصارف سويسرية بقيمة 2.3 مليار دولار بين 17 تشرين الأول و14 كانون الثاني، قررت السلطة اللبنانية بالتواطؤ مع المصارف تحميل صغار المودعين هذه الخسارة بسبب السياسيات المالية الخاطئة.

وبينما يعاني من لا ظهر لهم الأمرين لسحب ودائعهم، بلغت الإجراءات المصرفية حدّ الوقاحة، اذ انتهى الأسبوع بتعميمين لمصرف لبنان «يلبننان» جميع السحوبات على سعرين للصرف: الأول 1500 ليرة مقابل كل دولار يسحبه المودع الذي يملك في حسابه أكثر من 3000 دولار، والثاني «سعر السوق»، الذي يُستعمل للبننة سحوبات من يملك في حسابه أقل من 3000 دولار. ويُحدّد سعر السوق في وحدة خاصة للتداول بالدولار، على 2600 ليرة لكل دولار.

أما نتائج هذين التعميمين، بحسب ما أشار الخبير الاقتصادي، الدكتور باتريك مارديني، لـ “جنوبية” فهي (Haircut) مفتوحة تبدأ بنسبة 50% على سحوبات “أصحاب الثروات” من يملك أكثر من 3000 دولار، وهذه النسبة مرجحة ان ترتفع بحسب سعر صرف الدولار في السوق الذي من المرجح ان يرتفع أكثر وأكثر في ظل هذه التعاميم. وكذلك فرض (haircut)10% على سحوبات من يملك أقل من 3000 دولار، هذا إذا ما بقيت قيمة الدولار بـ 2990 ليرة في السوق الموازية.

خسائر بالجملة وأزمة في الأصول الخارجية لدى المصارف

وأوضح مارديني، انه “المصارف اللبنانية اقرضت الدولة اللبنانية أموال المودعين التي تقدر بحوالي 120 مليار دولار، الا ان المشكلة مع اعلان الدولة اللبنانية تعليق دفع “اليوروبوند” وكذلك تعليق كافة ديونها التي تعود 80% منها الى المصارف ما يعني ان الأخيرة خسرت الأموال التي اقرضتها للدولة التي هي تعود في الحقيقة للمودعين”، مشيرا ان “ازمة المصارف لم تنته هنا، انما جاءت أزمة كورونا وما سببته من انكماش اقتصادي بسبب التعبئة العام الى تعميق الأزمة، مع تخلّف أيضا القطاع الخاص والمواطنين عن دفع القروض”.

الى ذلك لفت مارديني، انه إضافة لخسائر المصارف، فإن الأخيرة لا تملك الأخيرة ما يكفي من أصول خارجية (أي cashبالدولار)، لتسديد للمودعين أموالهم، وبالتالي استنزفت المصارف احتياطاتها بالعملة الأجنبية، مؤكّدا ان الأزمة لدى المصارف لم تعد تقتصر فقط على ازمة في السيولة، انما تعدتها لأزمة في الملاءة أي ان الأموال التي اقرضتها لن تستعيدها مع تخلّف المقترضين عن الدفع”.

أما الحلول لمعالجة الأزمة المصرفيّة، فكانت عبر تحميل هذه الخسائر للمودعين بالتواطؤ مع الدولة، بحسب الآلية التي تم ايضاحها اعلاه والتي لم ترحم حتى صغار المودعين من الـ “haircut”

خطر المجاعة

  رأى مارديني ان “المجاعة لا تسببها الا السياسات الخاطئة وإذا تم الامعان بها سنصل الى المجاعة حتما، الا انه إذا تم تصحيح هذه السياسات تبقى الأزمة في إطار الغلاء وارتفاع الأسعار”.

وأشار مارديني “على حدّ قول مصرف لبنان فان ما تبقى لديه من اجمالي الودائع البالغة 120 مليار دولار، 20 مليار عمولات الأجنبية فقط، ومن بينها 18 مليار احتياط الزامي (لا يستطيع مصرف لبنان التصرف بها)، وبالتالي المبلغ المتبقي لدى المركزي هو 2 مليار دولار وهو غير كاف بالطبع لعمليات الاستيراد لا سيما وان عجز التجاري في لبنان هو سنويا 15 مليار دولار من بينها 7 مليار استيراد مواد غذائية وأدوية ومحروقات. ما يعني ان لبنان امام أزمة كبيرة، ولن يستطيع الاستيراد كما السابق وبالتالي هذا ما سيؤدي الى ارتفاع الأسعار وانقطاع العديد من السلع في الأسواق، لا سيما مع توقف التحويلات الخارجية التي كانت المصدر الأساسي والأول للدولار للبنان”‘.

استنزاف الموجودات الخارجيّة للمصارف اللبنانيّة

وتابع مارديني انه “مع استنزاف الموجودات الخارجيّة للمصارف اللبنانيّة، التي تعتمد عليها المصارف لاستيراد الدولار الورقي، وتنفيذ التحويلات إلى الخارج. وبسبب هذه الأزمة المستجدة، التي يُضاف إليها اقتراب احتياطي المصرف المركزي من العملة الصعبة من مستويات حسّاسة، وتجفيف المصادر التي يعتمد عليها لبنان لتأمين الدولار بفعل أزمة فيروس كورونا، يبدو أن البلاد تتجه إلى مأساة معيشيّة صعبة.

وقال  مارديني انه “مع شح الدولار في الأسواق، وتوقّف عجلة الإنتاج بشكل كامل، واعتماد البلاد على المتبقي من دولارات في مصرف لبنان وفي منازل اللبنانيين لاستيراد الغذاء، الدولار سيواصل تحليقه، وهو ما سيعمّق الأزمة في لبنان، موضحا  ان “حصول المجاعة رهن قيام الدول اللبنانية بتحرير سعر صرف الدولار او عدم تحريره، فاذا أصرت الدولة اللبنانية على الاستمرار بتثبيت سعر الصرف على 1500 ليرة، وقمع الصرافين الذين يبيعون الدولار بـ 3000 ليرة، فستتوقف عملية بيع الدولار ما سيؤدي الى انقطاع الدولار من الأسواق وتوقف عمليات الاستيراد وبالتالي حصول المجاعة، اما اذا قررت الدولة اللبنانية ترك الصرافين يتداولون بسعر الصرف الحقيقي وهو 3000 ليرة عندئذ لن ينقطع الدولار من السوق ولكن حتما سيؤدي هذا الأمر الى ارتفاع  الأسعار وانخفضا القدرة الشرائية والدخول الى ازمة اجتماعية صعبة”.
إضغط هنا لقراءة المقال على موقع جنوبية