تقترب خطورة الأوضاع الاقتصادية والنقدية والمصرفية والاجتماعية من استحقاق الإنفجار الأعنف منذ بداية الأزمة. وستشكل قضية رواتب القطاع العام “الصاعق المدمر لما تبقى من تماسك نسبي هش وضعيف تشتري به الحكومة بعض الوقت القليل”، وفقاً لما أكد مصدر حكومي مطلع لـ”نداء الوطن”.
فعلى وقع الإضرابات والاحتجاجات المطلبية، تنوي الحكومة ترقيع التردي بجرعة زيادات تحت مسميات مختلفة تزيد كلفتها الشهرية على 4 آلاف مليار ليرة، بمجموع سنوي يزيد على كامل إيرادات موازنة 2020 المعمول بها في 2023 على القاعدة الإثنتي عشرية. وأكدت مصادر مالية أن “الزيادات المقترحة تعتبر انتحاراً مالياً في ظل شبه اضمحلال الجباية، واللجوء الى طبع الليرات لسد عجز الموازنة واستخدام ما تبقى من دولارات في مصرف لبنان”، مع تأكيد المصادر عينها “أحقية الموظفين برواتب تحفظ الحد الأدنى من كرامتهم بعدما فقدت الليرة 98% من قيمتها، وتسجيل التضخم ارقاماً قياسية حتى احتل لبنان في مؤشر للبنك الدولي المركز الأول عالمياً على صعيد تضخم أسعار المواد الغذائية على سبيل المثال لا الحصر”.
وفي موقف لافت من وزير قليل التصريح، حذر وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل من “مزيد من التدهور والانزلاق نحو المجهول”، داعياً مجلس الوزراء بإلحاح إلى الانعقاد لاقرار تلك الزيادات، لأن الاضرابات تحرم الدولة من إيرادات هي بأمس الحاجة إليها، كما أن انهيار القطاع العام وخدماته ينعكس بسلبية شديدة على أعمال القطاع الخاص أيضاً.
إلى ذلك، دعا وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني القرم الى جلسة طارئة لمجلس الوزراء للنظر في رواتب موظفي “أوجيرو” قبل انهيار قطاع الإنترنت بالكامل. وكان لافتاً حديث القرم عن اتصال بينه وبين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لبحث إمكان استلام الجيش منشآت وأعمال “أوجيرو”، للحؤول دون وقوع كارثة توقف الإنترنت وتعزل لبنان عن العالم. وعلى صعيد متصل، قال رئيس لجنة الاعلام والاتصالات النائب ابراهيم الموسوي: “إن البلد كله يتجه الى كارثة محققة خلال فترة زمنية لا يمكن التنبؤ بها، يمكن ان تكون اياماً!”.
وفي سياق الترقيع المتواصل بعيداً عن أي حلول جذرية، يتجه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لاختراع سعر صرف جديد بين 60 و70 ألف ليرة مخصص لرواتب موظفي القطاع العام الذين خسروا مع ارتفاع سعر الدولار الى نحو 110 آلاف ليرة أكثر من 60% مما تقاضوه الشهر الماضي اذا تقاضوا هذا الشهر على سعر 90 ألف ليرة على منصة صيرفة.
وعلى عادته في شراء الوقت ومساعدة المنظومة على الترقيع المؤدي الى تفاقم الأزمة أكثر، وعد سلامة العسكريين المتقاعدين بالنظر مع الحكومة في مطالبهم الخاصة بحساب رواتبهم على سعر 28,5 ألف ليرة للدولار!
وفي سياق الترقيع أيضاً ضاعف وزير العمل مصطفى بيرم الحد الأدنى لرواتب القطاع الخاص الى 9 ملايين ليرة بينما كان البحث قبل أقل من شهر يدور حول 4,5 ملايين فقط، في دلالة صارخة على أن سعر الصرف المتدهور لليرة بات يجر البلاد الى أرقام خيالية في الظاهر ولا معنى أو قيمة تذكر لها عملياً.