الدولار يتخطى عتبة الـ 61 ألف ليرة… فهل من إجراء يلجمه؟ ضاهر لـ”النهار”: لتفعيل بورصة بيروت المكان الطبيعي للتداول بالعملات

الدولار يتخطى عتبة الـ 61 ألف ليرة… فهل من إجراء يلجمه؟ ضاهر لـ”النهار”: لتفعيل بورصة بيروت المكان الطبيعي للتداول بالعملات

بين مشاهد الفوضى القضائية و#الفراغ الرئاسي والحكومي غير المسبوق، وفيما بدأت مؤسسات الدولة تتحلل وتتهاوى الواحدة تلو الاخرى، تتسلل السوق السوداء ل#سعر صرف الدولار بين الازمات المتراكمة لتقضي على ما تبقّى من معيشة اللبنانيين المتهالكة اصلا منذرة بالاسوأ، خصوصا أن سعر الدولار يواصل ارتفاعه من دون استراحة كما كان يفعل أخيرا. وبات السؤال: هل يعقل ان تسلّم دولة بسلطتها القائمة ووجودها الكامل رقاب شعبها لزمرة من تجار السوق السوداء بهدف تعميق التضخم لتحقيق الأرباح وإطفاء الخسائر؟ هل من الجائز ان يُترك مصير شعب بكامله لسوق سوداء ملتوية تتحرك بلا اي َضوابط ويتحكم بها أشخاص نسمع اصواتهم من حين الى آخر على “غروبّات الواتساب”، “ابو النار” و”ابو شهاب” و”ابو الشيم”؟! هؤلاء ومَن يعملون لهم يتحكمون بلقمة عيش المواطن على مرأى من السلطة، وباقتصاد دولة حصر قانونها سوق التداول بالعملات في ردهة البورصة، مما يفيد ان الدولة قد أسرت دستورها الليبرالي الذي تنتفي فيه السوق السوداء لاعتماده الإقتصاد الحر، ووأدت قانونها ونصه وتطبيقه لمصلحة زمرة من الشبّيحة.

وأمام هذا الانفلات غير المسبوق في ارتفاع سعر صرف الدولار الذي تخطى الـ 60 ألف ليرة بأشواط، بات السؤال عن القانون الذي يُفترض أن يلجم تدهور سعر الليرة اللبنانية التي خسرت منذ بداية الأزمة في العام 2019 وحتى اليوم ما يقارب الـ100% من قيمتها.
تعاني السلطة من ظمأ شديد في المفاهيم المالية والإقتصادية، وتتحكم بها تصرفات شاذة وانحرافات مقصودة، ما يعني ان هذه السلطة لا تريد تحقيق النهوض بالبلاد وانتشالها من كبوتها المفتعلة لعدم إرادة السلطة السياسية الانتظام ضمن حكم القانون، وهذا الامر يشكل جرما قانونيا تُسأل عنه الحكومة، وفق المتخصص في الرقابة القضائية على المصارف المركزية وأجهزة الرقابة التابعة لها المحامي الدكتور باسكال ضاهر لـ”النهار”.
ويقول ضاهر إن “سوق العملات محددة بردهة البورصة، اي السوق الحرة للتداول، وهذا الأمر مرتبط بالدستور لا سيما نص الفقرة “واو” من مقدمته التي نصت على أن “النظام الإقتصادي حر يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة”، بما يعني ان الدستور اعتمد مبدأ الحرية الاقتصادية واحترام المبادرة الفردية وفق شعار “دعه يعمل دعه يمر”. وبما أنّ القوانين المالية والمصرفية تتحد في ذاتيّتها لتشكل في كيانها وحدة متماسكة، فإنها تعبّر عن التوجّه الخاص بالدولة إن كانت ليبرالية حرة أو سواها”.
كل ذلك يقود ضاهر الى القول بان القانون اللبناني “اعتمد سعر السوق الحرة سنداً لأحكام المادة /229/ من قانون النقد والتسليف، وتاليا فإنّ سعر الصرف ليس محددا ولا جامدا، مع التأكيد أنّ التحديد المتّبع هو نقيض الليبرالية واقتصاد السوق”. ويستند ضاهر الى رأي الإقتصادي البريطاني جون مينارد كينز الذي قال إن “التلاعب بسعر العملة هو السبب الرئيسي في تدمير النظام الليبرالي”، مع الاشارة الى ان النصوص القانونية المرعية الإجراء في الجمهورية اللبنانية تحصر مهمة التداول الحر للعملات ببورصة بيروت بما يسمى ردهة البورصة وفق ما أقرّته المادتان /9/ و/10/ من المرسوم الإشتراعي الرقم 120 الصادر في العام 1983، وتاليا يتوجب الركون إلى أحكامهما في مطلق أي قرار، ولا شيء يمنع جعل الردهة منصة الكترونية تعمل تحت إشراف البورصة. وتبعا لذلك، يؤكد ضاهر أن سعر الصرف “يجب ألّا يكون صادرا إلا عبر عمليات تجري في ردهة البورصة التي تعتبر المكان الطبيعي الصالح لها، علما أن هذه الآلية نشأت بعد انهيار اتفاق بريتون وودز وأصبحت الدول بموجبه ملتزمة قانونا بتعويم عملاتها من خلال بيان حجمها في السوق، علما ان هذا كان معتمدا في الدولة اللبنانية بشكل منتظم. وعلى اساس هذا السعر الذي تُبيّنه التعاملات النقدية في بورصة بيروت تجتمع بشكل دوري لجنة المؤشر لاتخاذ القرارات المناسبة في ما يتعلق بالرواتب والاجور، ويأتي ذلك تنفيذا للالتزامات القانونية الداخلية المرعية الإجراء والمتصلة ايضا بالالتزامات الناشئة عن المواثيق الدولية التي يلتزم بها لبنان، ومنها اتفاقات العمل العربية”.
وفي السياق، يوضح ضاهر ان “استقرار النقد يتصل بحقوق الانسان المعتمدة من الدولة اللبنانية في دستورها، وتاليا فإن اي خرق لهذا الانتظام يرتب مسؤولية على الدولة لاحترام المواثيق الدولية التي التزمت بها، والامر عينه يوجب على هذه الدولة تفعيل ردهة البورصة التي يمكن ان تكون منصة إلكترونية”.
ومعلوم أن اللجان النيابية المشتركة أدخلت تعديلات على مشروع قانون “الكابيتال كونترول” تتعلق بوجوب إلغاء “صيرفة”، كونها لا تمثل فعليا حقيقة سوق القطع، وانشاء ما يسمى “منصة” لتعكس حقيقة سوق القطع التي تخضع للعرض والطلب، وتضم الصرافين والمصارف ومصرف لبنان. وهذه المنصة ستكون بمثابة المنظم لسعر الصرف، على غرار البورصة التي تحدد السعر الوسطي للدولار. ولكن ضاهر يؤكد أن ما من داعٍ لانشاء اي منصة بوجود البورصة التي أنشئت وفق قانون خاص بها والذي تم تعديله في العام 1983. وسأل: “ما الجدوى من إنشاء منصة وهدر المال العام طالما ان البورصة موجودة وفاعلة وردهتها مفتوحة ومنظمة؟”. وهذه المنصة ستساهم بتعدد اسعار الصرف، أما بورصة بيروت فتعمل على الغاء كل هذه الاسعار وتوحيدها بالسعر القانوني الذي تظهره التداولات الحرة للعملات في ردهتها وفقا لما تنص عليه أحكام قانون البورصة.
وفي هذا الإطار يشير ضاهر إلى “سوء فهم حكم المادة /75/ المعطوفة على المادة /69/ من قانون النقد والتسليف التي سمحت للمصرف المركزي بالتدخل في سوق القطع، أي ردهة البورصة، إذ إن هذه المادة تهدف الى تأمين ثبات هذه السوق بالعمل بها، كما أي شركة أخرى مسجلة في البورصة، بغية التأثير في سعر الصرف للجم صعوده أو العكس. أي بمعنى أوضح، أن يعمل “المركزي” في ردهة البورصة، إنما بالاتفاق مع وزير المال، مشتريا أو بائعا ذهباً أو عملات أجنبية مع مراعاة أحكام المادة /69/ التي وضعت قيودا صارمة على هذا التدخل الهادف الى المحافظة على استقرار سعر الصرف المنوي استهدافه أو تحقيقه بالإتفاق مع الحكومة. ومن هنا، يتجلى بوضوح أن المشرع الدستوري قد أرسى ركائز ودعائم لحماية النظام الليبرالي الحر من خلال آلية عمل المصرف المركزي في السوق”.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع النهار