تحت وطأة الأزمات المتلاحقة والتحديات الاقتصادية المتفاقمة، تتأرجح الليرة اللبنانية على حافة الهاوية، وتحكي قصة مأساوية ممزوجة بالألم واليأس.
فهي ليست مجرد عملة وطنية بل هي رمز الخراب الإقتصادي والفشل المالي. منذ العام 2019، تعرضت الليرة اللبنانية الى انهيار كارثي يثير تساؤلات حول مدى قدرتها على البقاء، ومستقبلها، تحديداً بعد التصنيف الأخير لبلومبرغ الذي وضع الليرة اللبنانية بين أسوأ العملات. فهل نحن حقاً بحاجة الى الليرة اللبنانية؟ وهل من الممكن الاستغناء عنها في ظل دولرة الاقتصاد اللبناني؟
في التفاصيل، صنّفت وكالة بلومبرغ الليرة اللبنانية على أنها من العملات الأسوأ أداءً بين العامين 2023 و 2024 بمعدل تراجع يزيد عن 83% من بداية عام 2024. يقول الباحث الاقتصادي في المعهد اللبناني “لدراسات السوق، كارابيد فكراجيان، إن “هذا التصنيف لا يؤثر بأي شكل على واقع الليرة اللبنانية.
ويضيف في حديث لمنصة نقِد، انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية لم يكن جراء سوء سمعة أو حتى دراسات من قبل وكالات أو باحثين، بل هو نتيجة زيادة بالكتلة النقدية وتبعاً لقواعد العرض والطلب، زادت هذه الكتلة مقابل طلب قليل على العملة. ربما هذا التصنيف من قبل بلومبرغ سوف يزيد من زعزعة الثقة بالعملة الوطنية ومدى استعداد الدولة المحافظة عليها، وهذا مرتبط بالتقلص المستمر للإحتياطي لدى البنك المركزي من 30 مليار الى ما دون 9 مليار تقريباً، وبالتالي البيان الصادر عن وكالة بلومبرغ هو محاكاة ومرآة لواقع الليرة المنهار.
وعن دولرة الاقتصاد اللبناني يقول فكراجيان، “كان له أثر واضح على القطاع الخاص وبشكل كبير، فالاستقرار بالأسعار ووجود مؤشر السعر من أجل حمايته من تقلبات سعر الصرف هو شيء لا يمكن الاستغناء عنه، كون أن مؤشر السعر هو أهم مؤشر في الاقتصاد لتأثره بعدة عوامل، منها التلاعب بالنقد كالذي يحدث في الليرة اللبنانية، ولا يمكن الإنكار أن وجود هذا التلاعب هو نتيجة البنك المركزي الذي بدوره أيضاً تلاعب بالكتلة النقدية التي أدت تلقائياً للتأثير على مؤشر السعر، وهذه الدورة ينتج عنها إنخفاض بسعر الصرف، بحيث أنه عندما قرر البنك المركزي طباعة كتلة جديدة وعرضها على السوق التجاري كانت نتيجتها صعوبة استعمالها من قبل التجار وعدم قدرتهم على شرائها.
ويضيف، “اذا تم اتباع الدولرة في القطاع العام او نسختها أي مجلس النقد نكون امام حالتين، إما عن طريق تبني عملة أجنبية، أو تبني استنساخ للعملة الأجنبية وهنا نعود لمجلس النقد، والهدف في الحالتين يكون عزل الحكومة اللبنانية عن السلطة النقدية وعدم السماح لها بالتدخل في الكتلة النقدية.
فقد أكد “كارابيد فكراجيان” أنه حكماً بتفعيل إحدى هاتين الحالتين سنلزم الحكومة بوجود موازنة جدّية وغير قابلة للتلاعب، والقصد هنا أنه عندما تصدر الحكومة اللبنانية موازنتها فهي بالتالي تضع وارداتها والواردات الاستثنائية، والمقصود في الواردات الإستثنائية، الأموال التي ستقترضها، ومن المتعارف عليه أن الدولة اللبنانية لا تستطيع الاقتراض كونها تتخلف حتى الأن عن تسديد ديونها في الأساس وليس هناك من يتجرأ على مساعدتها، وبالتالي يكون ملجأها الوحيد البنك المركزي.
وأكد فكراجيان، أنه اذا تم اعتماد الدولرة في القطاع العام بهذه الطريقة نلزم الحكومة بدراسة موازنتها بالشكل الصحيح واجبارها على القيام بالإصلاحات الفعلية لإدارتها وإعادة هيكلة القطاع العام.
دول مرَّت بأزمات مشابهة يمكن الاستفادة من تجاربها
عرض الباحث الاقتصادي كارابيد فكراجيان دولتين يمكن الاستفادة من أزمتهما بشكل كبير. أولهما فنزويلا، فهي الدولة التي تملك أكبر احتياطي نفط مثبت بالعالم، وتملك أراضٍ خصبة ومركز جغرافي وتجاري ممتاز، ولكن نتيجة السياسات الاقتصادية الفاشلة أدت الى استمرار عجز هذه الدولة ودمار وفقر شعبها. أما على المقلب الآخر هناك دولة الأرجنتين. لأول مرة منذ 12 سنة تكون ميزانيتها خالية من أي عجز ونسبة النمو تتحسن وترتفع بشكل ملحوظ والأسعار انخفضت رغم تحريرها، والوظائف تزايدت والثقة في البورصة عالية جداً. هذا كله على الرغم من وقوعها بأزمة مالية استطاعت الشفاء منها على عكس فنزويلا، فإما يختار لبنان أن يكون مصيره مثل الأرجنتين ونعيد ازدهار البلد أو نكون كفنزويلا ونبقى في الدمار الذي نحن فيه ويبقى مصيرنا مجهول.
وفي الختام، يقول كارابيد فكراجيان، “أنسب عملة يتعامل بها لبنان هي الدولار الأميركي، فليس هناك حل آخر إما إغلاق البنك المركزي والتعامل بشكل تام وكلي بالدولار الأميركي وإلغاء الليرة اللبنانية أو نقوم بتحديد الكتلة النقدية بقانون من خلال مجلس النواب بحيث أن هذه السياسة النقدية تخضع لقواعد صارمة وثابتة على عكس الواقع الحالي.