خاص LIMSLB: ضرورة إلغاء حصرية “الميدل إيست” لتنويع المخاطر في الحرب وتعزيز السياحة في السلم

خاص LIMSLB: ضرورة إلغاء حصرية “الميدل إيست” لتنويع المخاطر في الحرب وتعزيز السياحة في السلم

تقف شركة طيران الشرق الأوسط (MEA- الميدل إيست) وحيدة في ساحة المطار لتواصل أعمالها بعد توقف جميع الشركات العالمية عن تسيير رحلاتها من لبنان وإليه منذ بدء التصعيد في أيلول الماضي. وتستحق الشركة تقديراً استثنائياً على جهودها في ضمان استمرارية الملاحة الجوية عبر مواظبتها على خدمة المسافرين متخطية الصعوبات الأمنية والمخاطر المحيطة، ما يؤكد عمق التزامها تجاه البلاد.


وفي هذه المرحلة الدقيقة، تبرز أهمية استراتيجية للسماح لشركات طيران (وطنية خاصة وأجنبية) أخرى بتقديم خدماتها جنباً إلى جنب مع شركة طيران الشرق الأوسط. وتسمح هذه الخطوة بتعزيز الأمن الوطني من خلال تخفيف الضغط على الشركة، كما تضمن استمرارية حركة الطيران في ظل الحرب القائمة وفي حالات الطوارئ أو مواجهة الميدل إيست لأي صعوبات. وهي أيضاً تسمح بتعزيز الاستقلالية والسيادة الوطنية عبر تقليل الاعتماد على الشركات الأجنبية التي هجرت لبنان، بالإضافة إلى ضمان استمرارية الحركة الجوية اللبنانية دون تأثر بالمتغيرات الخارجية.

وتجدر الإشارة إلى أن دخول شركات جديدة سيؤدي في أوقات السلم إلى انخفاض أسعار التذاكر وتوسيع الخيارات المتاحة أمام المسافرين وزيادة حركتهم وتنشيط السياحة والقطاعات المرتبطة بها وخلق فرص عمل جديدة وتعزيز النمو الاقتصادي. ويسمح تعدد الخيارات بمرونة أكبر في مواعيد الرحلات، إضافةً إلى تحسين في جودة الخدمات وتلبية احتياجات مختلف الفئات ومراعاة قدراتها المادية. فبينما تفضل شريحة من المسافرين الخدمات الفاخرة التي تقدمها MEA، تبحث أخرى غير صغيرة عن خيارات أقل تكلفة. ولن يؤثر كسر حصرية الميدل إيست على أرباحها لأن “الربح المحقق ليس من الحصرية” كما يؤكد رئيس الشركة محمد الحوت الذي يعطي مثالا على ذلك ما حصل حتى العام 1998. إذ تؤدّي المنافسة إلى تدفق استثمارات جديدة في قطاع الطيران وزيادة العائدات الضريبية للدولة، إلى جانب تنشيط القطاعات المرتبطة بالطيران مثل خدمات المطارات وخدمات الصيانة، وهو ما ينشئ دورة اقتصادية إيجابية.

وتقتضي مصلحة البلاد إعادة النظر في سياسة الحصرية الحالية، ولا سيما فيما يتعلق بالثمار التي سيجنيها الاقتصاد اللبناني جراء توزيع المسؤوليات والمخاطر التشغيلية  خلال الأزمات والحروب وتعزيز المنافسة والعجلة الاقتصادية في أوقات السلم.


تراجع القطاع السياحي في لبنان. شهد القطاع السياحي في لبنان تقلبات حادة في ظل الانكماش الكبير الذي تسببت به الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا. ثم عاد الوضع ليتمتع بشيء من الاستقرار بين العامين 2022 و2023، ولكنه ما لبث أن تدهور مجددا على إثر الحرب الدائرة في الجنوب منذ أكتوبر 2023. وبعيدا عن هذه التقلبات الدورية، يُلحَظ أن هذا القطاع، في عز نشاطه في العامين 2022 و2023 أو حتى قبل العام 2019، فشل في منافسة الوجهات السياحية الإقليمية المجاورة له. وفي الوقت الذي تعج فيه وجهات قريبة مثل تركيا وقبرص واليونان ومصر وغيرها بالسياح، تقتصر السياحة في لبنان على أبنائه المغتربين العائدين لزيارة عائلاتهم. ويتضاءل عدد الزوار باستثناء هؤلاء عاماً بعد آخر. فمن أصل متوسّط مليوني وافد يقصدون لبنان سنويا، لا تتجاوز نسبة السياح 30 في المئة في الحد الأقصى؛ أمّا الباقي فمغتربون لبنانيون يأتون لبنان ليمضوا الفرص والأعطال ويزوروا عائلاتهم.

 

ويُظهر الجدول رقم (1) أن متوسط ​​عدد الوافدين إلى لبنان مقارنة مع بقية الوجهات في المنطقة متدنٍ جدا. فقد حل لبنان في المرتبة 16 عربيا من أصل 19 في قدرته على استقطاب السياح القادمين إلى شرق المتوسط وشمال أفريقيا، متفوقا فقط على كلٍّ من العراق واليمن وليبيا. ولم تتجاوز حصّة البلاد من مجموع القادمين الـ 2 في المئة.

 

وعليه، يستقطب لبنان 2% من السيّاح مقارنةً بمنافسيه الإقليميين، وهو ما يضعه في مرتبة بعيدة جدا عن جميع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي المقابل، حصدت دول عديدة مثل المملكة العربية السعودية والكويت وإيران وقطر والعراق زيادات في حصتها الإقليمية من السياحة. حيث حازت كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على الحصة الكبرى من السياحة القادمة بمعدل فاق 18 في المئة للفترة الممتدة بين العامين 2010 و2019.

متوسط الوافدين الدوليين (نسبة من إجمالي السياح في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)


وفي مقابل تراجع قدرته على جذب السياح، يمتلك لبنان كما يظهر الجدول رقم (2) أدنى معدلات الإشغال على صعيد الغرف الشاغرة وأماكن النوم بين الدول المجاورة له. وعلاوة على ذلك، فقد احتل لبنان في العام 2019، أي قبل جائحة كورونا، المرتبة 100 من أصل 140 دولة على مؤشر التنافسية للسفر والسياحة ليتخطى بذلك دولتين فقط من دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا هما الجزائر واليمن ويتخلف بشكل كبير عن بقية الدول.

 
Occupancy Rates (2010-2019 Average)

 

كما فقد القطاعان الصناعي والزراعي فرصة رفع الاستهلاك الداخلي بمعدلات كبيرة بسبب ضعف السياحة. وقد فقدت قطاعات صناعية وزراعية صاعدة وواعدة (مثل صناعة النبيذ والمونة البيتية والمنتجات الحرفية) فرصة تسويق مهمة جداً لمنتجاتها، سواء للاستهلاك في الداخل من قبل السياح أو لحملها معهم إلى بلدانهم أثناء عودتهم.

الحصرية سبب في تراجع السياحة. تشكل الحصرية الممنوحة لشركة طيران الشرق الأوسط  أحد أسباب عزوف السياح عن زيارة لبنان على مدار السنوات الماضية. فالأسعار المرتفعة التي تفرضها “الميدل إيست” – والتي يمكن الاستدلال عليها من خلال مقارنة أسعارها مع بقية شركات الطيران إلى وجهات مماثلة من حيث المسافة والعامل الجغرافي – حرمت الاقتصاد من ملايين الزوار الذين يفضلون الحصول على خدمات السفر بأسعار منخفضة. إذ يفضّل هؤلاء المسافرون تمضية إجازاتهم في دول قريبة منافسة مثل قبرص أو تركيا أو مصر (شرم الشيخ) نظراً لانخفاض كلفة السفر، خصوصاً بالنسبة للعائلات. وقد فوّت ذلك على الاقتصاد فرصة تحقيق عوائد كبيرة من السياحة.

من ناحية أخرى، يضطر الوافدون إلى دفع مبالغ مرتفعة على تذاكر الطيران، ما يحدّ من قدرتهم على الإنفاق على الطعام والتنقل وشراء الملابس وزيارة الأماكن السياحية والترفيهية. ويمثّل ذلك خسارة غير مباشرة لمجرد أن ثمة “حماية” لشركة واحدة هي “الميدل إيست” MEA تفوّت إمكانية وجود طيران تجاري منخفض التكلفة على غرار ما هو معمول به في معظم بلدان العالم، بما في ذلك الدول المجاورة. وعلى الرغم من ادعاء المسؤولين اللبنانيين أن الخطوط الجوية مفتوحة على لبنان وأن لبنان يطبق سياسة الأجواء المفتوحة منذ العام 2001، تبقى العديد من الشركات العالمية منخفضة التكلفة التي تهبط في بلدان الجوار ممنوعة من العمل في لبنان، ومنها EasyJet وWizz Air وغيرها. وتقوم “الميدل إيست” بعقد اتفاقيات ثنائية مع بعض شركات الطيران على الوجهات الرئيسية مثل Air France وغيرها للوصول إلى المدن أو المطارات الرئيسية في العالم. ويؤدي ذلك إلى تحويل الاحتكار إلى احتكار ثنائي (duopoly) ويمنع الشركات منخفضة التكلفة ذات الخطوط المحدودة من القدوم إلى لبنان. وهكذا، يجد المسافرون أنفسهم مقيدين بالشركة الوحيدة أو بديلتها المشابهة، ويضطرون إلى دفع أعلى الأسعار.

أرباح الميدل إيست. يُسَوَّق أن الميدل إيست واحدة من أنجح الشركات “العامة” إن صحّت تسميتها كذلك. فقد حققت الشركة ربحاً بقيمة 1.4 مليار دولار عن الفترة الممتدة من 2001 ولغاية 2024 أي بمعدل 58 مليون دولار في السنة. وقد وُزِّعَت أنصبة الأرباح على المساهمين، ونال مصرف لبنان، بصفته المساهم الأكبر، 770 مليون دولار. كما نجحت إدارة الشركة في رفع قيمتها السوقية إلى 1.2 مليار دولار. وقد استطاعت الشركة منذ العام 1998 زيادة أسطولها إلى 23 طائرة، وضمت إليها 4 شركات رديفة إضافية هي شركة الشرق الأوسط للخدمات الأرضية MEAG وشركة صيانة وترميم الطائرات للشرق الأوسط وشركة الشرق الأوسط لخدمة المطارات MEAS والشركة اللبنانية لتموين مطار بيروت. وتوظف الميدل إيست مع الشركات التابعة لها حوالي 4000 شخص بين ثابت ومتعاقد وتستحوذ على 37% من عدد الركاب. وقد أكد الحوت أن “الربح المحقق ليس من الحصرية، والدليل أن الشركة لم تكن تحقق أي أرباح قبل العام 1998 رغم وجود الحصرية وتكبدت خسائر بقيمة 700 مليون دولار في حقبتي الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم”.

 

خسائر الاقتصاد. على الرغم من أنّ الأرباح المحققة من “الميدل إيست” تبدو للوهلة الأولى كبيرة، فهي أقل بكثير من تكلفة الفرصة البديلة (Opportunity cost) التي تحملها الاقتصاد نتيجة الاحتكار. فإذا انطلقنا من تقديرات صندوق النقد العربي أن كل زيادة بواقع 1% من العائدات السياحية تساهم في رفع النمو الاقتصادي للدول العربية بنحو 0.36%، فقد خسر الاقتصاد اللبناني 8 مليارات دولار على أقل تقدير، وهو رقم يفوق بثمانية أضعاف الأرباح التي حققتها شركة طيران الشرق الأوسط. وهنا تبرز أهمية السماح لشركات أخرى بالعمل إلى جانب الميدل إيست وتحفيز شريحة المسافرين التي تبحث عن تذاكر سفر ذات أسعار منخفضة على القدوم إلى لبنان بدل خسارتها لصالح الوجهات المنافسة.

 

الحصرية والسياسة. لم يؤدِّ الاحتكار الطويل لخدمة الطيران في لبنان إلى التحكم في الأسعار ورفعها فحسب، بل أدى أيضاً إلى هدر في الموارد. فعلى الرغم من كل ما يُروَّج عن فعالية طيران الشرق الأوسط وتحوّلها منذ العام 1998 إلى شركة رابحة ورائدة في مجال الإدارة السليمة والتوسع المضبوط، فإن الأرقام تُظهر عكس ذلك. فإذا قارنّا عدد العمال مع عدد الطائرات المتوفرة، نجد أن لكل طائرة 173 عاملاً، وهذا الرقم مرتفع جداً بالمقارنة مع 120عاملا في الشركات العالمية. ويتطلب استيعاب التوظيف الكبير – الذي يشكل جزءاً لا يستهان به من التوظيف السياسي رغم عمليات الصرف التي حصلت – رفع الأسعار. وبدوره يتطلب رفع الأسعار دون عوائق الحفاظ على الحصرية وعدم دخول شركات منافسة تضطرّ “الميدل إيست” إلى خفض أسعارها للمحافظة على ركابها. لذا يبدو أن ثمّة توافقاً بين جميع القوى السياسية على تمديد الحصرية مرة أخرى للشركة حسب ما أكّد رئيس مجلس إدارتها[1]. فمن مصلحة القوى النافذة صوناً لفرص التوظيف الإبقاء على الحصرية رغم دورها في رفع الكلفة على الأفراد والاقتصاد للمحافظة على قدرة الاستيعاب الكبيرة وتعويض الفارق في التكاليف التشغيلية. وقد وصل الفارق في بعض المحطات إلى نحو 50%، وهو ما يعني أن الخسائر على الاقتصاد من الحصرية أكبر بما لا يقاس من بعض العوائد التي تحققها الشركة، سواء لمصرف لبنان أو لبعض الجهات الأخرى.

 

التمديد لطيران الشرق الأوسط مستمر. كما هو الحال مع جميع الإجراءات التي تبدأ في لبنان مؤقتة وتتحول إلى دائمة بفعل التمديد، استمرت حصرية “الميدل إيست” لأكثر من نصف قرن رغم انتفاء الأسباب الموجبة. ففي العام 1969، تعرضت شركة الطيران المحلية LIA إلى خسائر كبيرة وشارفت على الإفلاس. فطُلب من شركة طيران الشرق الأوسط – التي كانت قد اندمجت قبل خمسة أعوام مع AIR LIBAN المملوكة من AIR FRANCE – استيعاب العمال المصروفين من LIA. وللقبول بذلك، طلبت الميدل إيست الامتناع عن الموافقة على أيّ طلب لإنشاء شركة طيران جديدة لفترة محددة تعويضاً لها عن استيعاب العمال وتحمل المزيد من التكاليف. وبالفعل، أقر مجلس الوزراء في الخامس من أيار 1968 عدم إعطاء تراخيص لشركات طيران لبنانية جديدة لنقل الركاب لمدة 20 عاماً فقط تنتهي في العام 1989. وقد حصل التمديد الأول في العام 1992 ولمدة 20 عاماً إضافية تنتهي في العام 2012. وكانت الحجة حينئذ أن الحرب الأهلية التي اندلعت في العام 1975 حالت دون استفادة الشركة من الحق الحصري خلال الأعوام السابقة. أما التمديد الثاني، فقد حصل في العام 2012 ولمدة 12 عاماً فقط تنتهي في العام 2024. وقد أتى التمديد الثاني مدعوماً بتحقيق الشركة الأرباح قبل نحو أربعة أعوام. وللمحافظة على المكتسبات وتفعيلها، مُدد الحق الحصري لأعوام إضافية من قبل مجلس الوزراء. وقد وافق جميع الوزراء على تمديد الحصرية، على الرغم من مطالبة البعض بضرورة المحافظة على الشركة الوطنية ودعمها ودعوة فريق آخر إلى فتح باب المنافسة لتحفيز الشركة على تقديم أسعار تشجيعية مخفضة. وقد جرى تمديد الحصرية، التي كان يفترض أن تنتهي في أيلول 2024، لمدة سنة وخمسة أشهر وأربعة أيام بقرار صادر من مجلس الوزراء في شهر آب 2024. وقد بُني القرار على رأي صادر من هيئة التشريع والاستشارات يقول بتعليق المهل القانونية بين 18 تشرين الأول 2019 و22 آذار 2021 بسبب التعبئة العامة في فترة انتشار جائحة كورونا ونظراً لكون الظروف القاهرة في تلك الفترة حالت دون ممارسة الاستفادة من الحصرية الممنوحة للشركة.

 

ومرة جديدة، فوّت التمديد القابل للتجديد – بعد 55 عاماً من إعطاء “الميدل إيست” حقاً حصرياً باستثمار النقل الجوي النظامي بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 28 تاريخ 5 آب 1967 – فرص تحقيق التنوع وتوسيع الخيارات وفتح القطاع على المنافسة. وقد أتى ذلك مع كلّ ما يحمله إلغاء الحصرية من فوائد مباشرة على المستهلكين والاقتصاد على حد سواء. إذ يعطي ارتفاع أسعار الميدل إيست، الذي زاد بنسبة كبيرة بسبب الحرب وتعليق أغلبية شركات الطيران رحلاتها إلى لبنان، مبرراً قوياً لكسر هذا الاحتكار. ويأتي ذلك انطلاقاً من السؤال المركزي: هل الربح المحقق من الحصرية أكبر أو أقل من العائد على الاقتصاد؟

يضاف إلى ذلك أن مجلس النواب أقرّ في العام 2022 اقتراح إلغاء حماية الدولة للوكالات الحصرية بمادة وحيدة. وقد أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري، في مداخلة له في مستهل مناقشة قانون المنافسة، أن “لبنان البلد الوحيد في العالم الذي فيه وكالات حصرية، وأن المادة 36 من اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي توجب إلغاء الوكالات الحصرية”. ولا ننسى أنّ مجرّد وجود شركة وحيدة في أي مجال من المجالات الاقتصادية سيجعلها تتحكم في الأسعار ونوعية المنتج وتاريخ تقديمه.

ولا يختلف الأمر كثيراً في مجال الطيران، فالحصرية لـ “الميدل إيست” سمحت لها بالاستحواذ على 37% من عدد الركاب في العام 2024، وقد وصلت هذه النسبة في أوقات سابقة إلى حدود 40%. ويعني ذلك أنها تستحوذ على أكبر حصة من سوق الركاب ولديها ملء الحرية في تحديد مواعيد الطيران والخدمات المقدمة وطريقة تقديمها، سواء قَبِل بها الراكب أم لم يقبل، إذ لا منافس آخر.

 

التوصيات. تقترح هذه الورقة عدم التجديد لحصرية شركة الميدل إيست وفتح قطاع الطيران على المنافسة. فخلافا لمعظم البلدان المجاورة، لا يسمح لبنان باستقبال شركات الطيران المنخفضة التكلفة؛ وباستثناء طيران “الشارتر” الذي يعمل فصليا بين لبنان وتركيا بشكل أساسي، يغيب الطيران الرخيص عن الأجواء اللبنانية. ويؤدّي ذلك إلى حرمان الاقتصاد اللبناني من الاستفادة من ارتفاع أعداد القادمين، وخصوصا فيما يتعلق بسياحة المجموعات، كما يفوت على القطاعات الخدماتية من فنادق ومطاعم وملاهٍ وشركات تأجير سيارات ومرافق سياحية أثرية وبيئية ودينية مداخيل مباشرة كفيلة بانتعاشها ورفع قدرتها على التوظيف. وللمثال، فقد أدّى استقطاب لبنان نحو مليون سائح في صيف 2023 نتيجة الهدوء والاستقرار النسبي إلى فتح  نحو 400 مؤسسة جديدة في مجال المطاعم وخلق ما بين 30 إلى 35 ألف فرصة عمل جديدة”، بحسب مصادر سياحية. وعليه، ستؤدّي مضاعفة أعداد السياح حكماً إلى زيادة الاستثمارات السياحية بشكل أكثر من مضاعف ومن ثمّ خلق عشرات آلاف فرص العمل. أما من الناحية غير المباشرة، فسيؤدّي ارتفاع أعداد السياح إلى ارتفاع طلب الأفراد والسياح والمؤسسات السياحية والمطاعم والفنادق على المنتجات المحلية من زراعية وصناعية، كما سيرفع الطلب على النقل. وهو بالتالي يحرك مختلف القطاعات الاقتصادية ويزيد من معدلات النمو ويساهم في تثبيت المواطنين في قراهم. ويمكن أن يأتي ذلك كلّه بمجرَّد “رمي حجر” إلغاء الحصرية لطيران الشرق الأوسط  في بركة الركود السياحي. ولمزيد من الدلالات على أهمية الطيران منخفض التكلفة على السياحة بشكل خاص والاقتصاد بشكل عام، فقد صرّح رئيس الحكومة المصرية  مصطفى مدبولي لدى الحديث عن بلاده قائلاً: “نحتاج إلى زيادة الطيران الاقتصادي أو الأقل تكلفةً؛ لأن 95 في المائة من السياحة الوافدة إلى مصر تأتي عبر الطيران”. وتعمل الحكومة المصريّة على برنامج تحفيز الطيران الرخيص لتشجيع شركات السياحة على جلب السياح إلى مصر حيث توضح التقديرات الرسمية أن كل دولار تم إنفاقه ضمن هذا البرنامج أسفر عن عائد يقدَّر بـ70 دولاراً. وينبغي اليوم على لبنان، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، إلغاء حصرية الميدل إيست وفتح المجال أمام الطيران الرخيص للقدوم إلى لبنان لرفع القدرة على استقطاب السياح وزيادة العائدات.

[1] في “بودكاست مع نايلة” على موقع النهار على الرابط التالي:https://www.youtube.com/watch?v=_Qd2Q7HVKiU

خالد أبو شقرا – باحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق