خطط وزارة الطاقة ليست قَدَراً: هكذا نحصل على الكهرباء

خطط وزارة الطاقة ليست قَدَراً: هكذا نحصل على الكهرباء

في سياق بحث وزارة الطاقة عن إصلاح قطاع الكهرباء اعتماداً على مشاريع الطاقة المتجدِّدة، عرضت “المدن” في تقرير سابق استعادة الوزارة لخطط قديمة عجزت عن تأمين الكهرباء طيلة سنوات. ، فهل الخطط هي قَدَر اللبنانيين، أم أن هناك حلولاً أخرى نؤمن من خلالها الكهرباء؟.

نقطة انطلاق مبتورة
الخطط التي وضعتها الوزارة سابقاً، بالإضافة إلى مشاريع الطاقة الشمسية، هي بالنسبة للوزارة نقطة الانطلاق لإصلاح القطاع مواكَبةً للعهد الجديد. على أنّ هذه النقطة ليست مستَحدَثة، بل مُجَرَّبة بمختلف تشعّباتها، وبالتالي لا تصلح لتكون قاعدة صلبة لتأسيس قطاع كهربائي مُنتِج ويعمل على الطاقة المتجدِّدة. ثم إنَّ الواقع الحالي لمؤسسة كهرباء لبنان كهيكل صُوَري فارغ من الداخل، يُعيق الانتقال نحو قطاع إصلاحي. فما تعانيه المؤسسة بحسب ما تقوله لـ”المدن” مصادر من داخلها “يحتاج إلى ورشة عمل كبيرة”.
على أنَّ خطط الوزارة الموضوعة منذ العام 2010، خلصت إلى سلفات خزينة متكرِّرة لشراء الفيول لتشغيل المعامل، وبواخر طاقة تم استئجارها بأكثر من 4 مليارات دولار. علماً أن لوزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان باعٌ طويل في صرف سلفات الخزينة وعدم تسديدها، فحسب تقرير لديوان المحاسبة، وصلت قيمة سلفات الخزينة التي لم تسدّدها المؤسسة قبل الأزمة المالية إلى نحو 5571 مليار ليرة أي ما يوازي 69.72 بالمئة من مجمل السلفات غير المسدّدة، وخلال الأزمة، وحتى العام 2023، وبحسب كتاب وزارة المالية، وصلت قيمة السلفات غير المسدّدة إلى نحو 1791 مليار ليرة.
أما على مستوى المؤسسة، فتوضح المصادر أنّ ترتيب أوضاع المؤسسة وتحسين أحوالها “لم يكن يوماً من أولويات وزارة الطاقة مع اختلاف الوزراء المتعاقبين عليها، بل على العكس، ساهم الوزراء بتخريب المؤسسة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، عرقلوا تعيين مجلس إدارة، مع ما يستتبعه ذلك من شلل في عمل المؤسسة. كما أصرّوا على استمرار مشروع الشركات مقدّمي الخدمات رغم فشل الشركات في تحسين خدمات المؤسسة وتطوير عملية الفوترة والجباية”.
ومع ذلك، تؤيّد المصادر “أي عملية إصلاح حقيقية لقطاع الكهرباء، بدءاً من مؤسسة الكهرباء، إذ لا يمكن تطوير القطاع بدون إنقاذ المؤسسة، وإلاّ تبقى نقطة انطلاق الإصلاحات مبتورة”. وتشكِّك المصادر في إمكانية تحقيق الشعارات المرفوعة والانتقال نحو الطاقة المتجدِّدة لأن “مَن فشل في إدارة القطاع في السابق، لن ينجح مستقبلاً. فالأدوات والأشخاص لا يزالون على حالهم”.
وتضيف المصادر، أنّه “حتى لو جرى مستقبلاً تعيين مجلس إدارة للمؤسسة وملء الشواغر في مختلف الفئات الوظيفية، فليس بالضرورة انطلاق العمل على أكمل وجه. فالمؤسسة وإن كانت مستقلّة، فهي تخضع لوصاية وزارة الطاقة، وفي لبنان نعلم جميعنا تأثير الضغط السياسي على المؤسسات العامة، وبالتالي، ما لم تتغيَّر منهجية العمل السائدة اليوم في وزارة الطاقة، فلن يتحسَّن القطاع أبداً بل سيبقى مستنقعاً مفتوحاً أمام الفساد الذي بدوره يعطِّل الإصلاحات وتنفيذ مشاريع الطاقة المتجدّدة بما يضمن حق الناس بالحصول على الخدمة الصحيحة، وحق الدولة بالعائدات المالية المتوجِّبة”.
وتقول المصادر إنَّ “سيطرة وزراء الطاقة على المؤسسة، جعلت الأخيرة تستقيل فعلياً من مهامها وأدوارها وتسلّمها واقعياً للوزير الذي يُقرّر كل ما يفترض أن يجري داخل المؤسسة على المستوى الإداري ومستوى المشاريع، ووافقت المؤسسة ضمنياً على هذه السيطرة لتتنصّل من مسؤولياتها تجاه ما يحصل من تجاوزات ولتتلافى تسديد قيمة سلفات الخزينة المقَرَّة لها، لا سيّما من أجل شراء الفيول”.

الحل ممكن
رغم ما تعانيه المؤسسة من شوائب، تؤكّد المصادر أنّ “المؤسسة جاهزة لمسار الإصلاح في حال سهَّلَت الوزارة ذلك”. بالتوازي، يعبِّر وزير الطاقة وليد فيّاض في حديث لـ”المدن” عن تفاؤله بالمرحلة المقبلة. أمّا مشكلة مؤسسة كهرباء لبنان، فلها حلّ ضمن خطّة الإصلاح المواكبة للانتقال نحو الطاقة المتجدّدة، وتكمن البداية بحسب فيّاض “من القانون 318 المتعلّق بالطاقة المتجدّدة الموَزَّعة ومن القانون 462 المتعلّق بتنظيم قطاع الكهرباء، فعبرهما تُنَظَّم عملية إنتاج الطاقة اللامركزية سواء من منتجين صغار أو شركات إنتاج كبيرة، ويتم بيعها إلى المؤسسة، ويمكن أن يستعمل المُنتِج شبكة النقل التابعة للمؤسسة لنقل الكهرباء، وبالتالي يدفع فقط للمؤسسة كلفة النقل”.

وانطلاقاً من القانون 462، ترى الخبيرة القانونية في مجال الطاقة، كريستينا أبي حيدر، خلال حديث لـ”المدن”، أنّ هذا القانون “يشكِّل مدخلاً للإصلاح في القطاع. فأوّل خطوة يفترض بوزير الطاقة في الحكومة الجديدة القيام بها، هي تطبيق القانون وتعيين الهيئة الناظمة. وفي هذه الحالة، يصبح إشراك القطاع الخاص في عملية إنتاج الطاقة، قد دخل حكماً حيّز التنفيذ. وهنا يتمّ كسر احتكار إنتاج الكهرباء من قِبَل مؤسسة الكهرباء التي لا تواكب التطوّر”.
بالتوازي، يعتبر المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة، ومحلل سياسات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المعهد اللبناني لدراسات السوق غسان بيضون، أن “الحلّ يمكن أن يأتي عن طريق لا مركزية الإنتاج والتوزيع، وذلك عبر البلديات أو اتحادات البلديات في كل المناطق، إذ تتعاون مع القطاع الخاص الذي سيُنشىء معامل على الطاقة الشمسية ويركّب العدّادات وما إلى ذلك. وهذه اللا مركزية لا تلغي مؤسسة كهرباء لبنان، بل ستخفّف الضغط عنها، إذ ستخصِّص المؤسسة إنتاجها لتغذية المناطق التي يتعذّر فيها إنشاء معامل للطاقة الشمسية، مدينة بيروت مثال على ذلك”.
وإطلاق مسار الطاقة المتجدّدة تحت راية البلديات، يعني أن الدولة لا تزال موجودة “لكن لم يعد هناك إمكانية لوزارة الطاقة للتحكّم بالقطاع على النحو الموجود حالياً”. وفي السياق، يشكِّك بيضون بجدية سعي الوزارة لمواكبة الإصلاحات “لأن العلل موجودة في الوزارة”. ونظراً لتجذّر العلل وصعوبة إصلاحها راهناً، يرى بيضون أنه “لا ينبغي أيضاً انتظار تعيين الهيئة الناظمة، رغم أهمية هذا التعيين. لأن وزير الطاقة وَضَعَ لغماً في هذا التعيين من خلال طلبه إدخال عضو سادس إلى الهيئة بدل الأعضاء الخمسة المنصوص عليهم بالقانون، والطلب يعني انتظار تعديل القانون”.
كما أن العراقيل الأخرى جاهزة، ومنها تكريس وجود “المركز اللبناني لحفظ الطاقة”، وهو جمعية خاصة جعلها وزراء الطاقة بديلاً للهيئة الناظمة. ولمواكبة الانتقال نحو الطاقة المتجدّدة، عدّلت الجمعية غاية إنشائها لتصبح “الاهتمام بجميع الأمور المتعلّقة بالطاقات المتجدّدة (الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، الطاقة الكهرومائية وغيرها) وبحفظ وكفاءة الطاقة وترشيد استهلاكها، والانتقال الطاقوي. مساعدة الجهات الرسمية وبالأخص وزارة الطاقة والمياه على إعداد التشريعات المتعلّقة بحفظ الطاقة وكفاءة استخدامها وترشيد استهلاكها وتلك المتعلّقة بالطاقة المتجددة. إعداد واقتراح وتيويم “الخطة الوطنية لكفاءة الطاقة” و”الخطة الوطنية للطاقة المتجددة” وسائر الخطط اللازمة”، وفق ما نشر في الجريدة الرسمية، العدد 2 بتاريخ 11-1-2024، بعد أن كانت إحدى غاياتها “الاهتمام بجميع الأمور المتعلقة بحفظ وكفاءة الطاقة وترشيد استهلاكها واستبدالها والطاقات المتجددة”. وملاحظة التعديل تظهر أن هذه الجمعية أحاطت بكل ما يتعلّق بالطاقة المتجدّدة لتبقى ملاصقة للوزارة، علماً أن ما تقوم به هو من مهام الهيئة الناظمة.
ولغرابة تلك العلاقة بين وزارة رسمية مع جمعية خاصة، طلب وزير الطاقة الأسبق جبران باسيل، ومن ضمن اقتراح تعديل مشروع الموازنة العامة العام 2010، “مساهمة لمأسسة المركز اللبناني لحفظ الطاقة، 0.5 مليار ليرة”.
ولذلك، من يريد الإصلاح وحلّ أزمة الكهرباء، فيذهب فوراً نحو “إلغاء كل الخطط والموافقات السابقة التي حصلت عليها الوزارة ولم تعطِ نتيجة على مدى 15 عاماً”، بحسب بيضون. أمّا الإصرار على الانطلاق من القواعد نفسها فهو “استهتار بجدية الأزمة”.
استقبال العهد الجديد يجب أن يحمل بالتوازي تغييراً جذرياً، ليس فقط على المستوى التقني، بل أيضاً على المستوى السياسي والتشريعي. فبالتوازي، مع تطبيق القوانين وتعيين الهيئة الناظمة والبدء بتطبيق لا مركزية إنتاج الطاقة، يقترح بيضون أن “تستعين الحكومة بمجموعة من قدامى مؤسسة كهرباء لبنان، ممّن اجترحوا حلولاً للمؤسسة وتركوا وفراً مالياً في المؤسسة خلال فترة عملهم فيها. وتشكِّل الحكومة منهم هيئة استشارية تتابع خريطة طريق لتنفيذ الإصلاحات والانتقال للطاقة المتجدّدة. وهؤلاء يعطون الحكومة آراءً ونصوصاً حول كيفية التصرّف والخروج من الأزمة”.

يُنشر هذا التقرير في إطار زمالة صحافية تنظمها مؤسسة “مهارات” حول “التغطية الإعلامية لمسار الإصلاحات”.

اضغط هنا لقراءة المقال كاملا على موقع المدن