قد يكون وباء العام الكورونا من جهة ، واستحقاق دين اليوروبوندز من جهة أخرى خطف الاهتمام الرسمي في المرحلة الحاضرة بملف الكهرباء الذي يبقى شرطا اساسيا من قبل البنك والصندوق الدوليين للحصول على المساعدة .
بالامس القريب جزم رئيس مجلس النواب نبيه بري الذهاب الى معركة الكهرباء، وأنّ “لا صوت في المرحلة المقبلة، يعلو فوق صوت معركة توفير الكهرباء، بأسرع ما يمكن وبأرخص ما يمكن”، معتبراً “أنّ الحل الأمثل لهذه المشكلة، هو بناء معملين دائمين للكهرباء، ومن الآن نقول لا للبواخر، لانّها جرصة، ولا للحلول الموقتة في ملف الكهرباء، لأنّ الموقت دائم في لبنان”.
920 مليون دولار سددها لبنان الى الباخرتين التركيتين على مدى 7 سنوات. والنتيجة هدر وتفاقم ديون وتلوّث وتراجع تغذية.
“أي معالجة نقدية، ووقف تفاقم الأزمة وتنامي الدين، لا تستقيم ابدًا من دون إيجاد حل جذري للكهرباء”. عبارة سمعها المسؤولون من اكثر من جهة دولية. نعم ، لبنان كذب على العالم بموضوع الكهرباء. ويقول المدير الاقليمي للبنك الدولي ساروج كومار “ان اي مشاركة او دعم او تمويل الى لبنان مشروط، ولا شيكات على بياض”.
اليوم هناك نزاع شديد في ملف الكهرباء يستحوذ على الاهتمام الدولي من بنك دولي وصندوق نقد ودول مانحة مع التشديد على ضرورة ا صلاحه. ويبدو ان موضوع البواخر وتعيين مجلس ادارة جديد وهيئة ناظمة هو فتيل آخر للخلاف. ما هي حقيقة هذا الملف الذي اصبح في دائرة الاهتمام المحلي؟
اعلنت دول مجموعة الدعم في باريس في كانون الاول عن استعدادها لمساعدة لبنان وان بإمكانها تقديم المساعدة، شرط ان يعين لبنان مجلس ادارة للكهرباء وهيئة ناظمة؟ لماذا لم يتم انشاء هذه الهيئة؟
هل هناك عروض فعلية من جنرال الكتريك وسيمنس للكهرباء؟
مارديني
يقول رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني “للاقتصاد “:
ان اهتمام كل من البنك الدولي وصندوق النقد ينصب على غياب الحوكمة في مؤسسة كهرباء لبنان التي هي مشكلة اساسية. فالحوكمة غائبة للأسف عن هذا المرفق الخدماتي.
مؤسسة كهرباء لبنان مؤسسة عامة مستقلة من المفترض ان يكون عندها مجلس ادارة جديد يديرها. ولكن للأسف الشديد، هذا الأمر لم يحصل. هذا المجلس مغّيب وقد انتهت مدة ولايته. وحتى ان المدراء الموجودين ليس عندهم سلطة فعلية لانهم بالانابة.
وهذا معناه ان الوزير الذي هو وزير الطاقة والمياه ينفذ ما يحلو له بدون محاسبة. وهنا يقول الوزير الحق على كهرباء لبنان. وهكذا تضيع المسؤوليات.
لذلك ، لا بد من تعيين مجلس ادارة بالسرعة الممكنة. لأن تغييب مجلس الادارة يسفر عن استيلاء الوزير على الادارة. يجب وضع ضوابط على الوزير؛ فلا يجوز ان يتفرد بوضع الخطط ، ويفرض تنفيذها بدون ان يسمح لمجلس الادارة بالاعتراض.
المسؤوليات ضائعة. تفريغ الادارة يؤدي الى استيلاء الوزير على كل القرارات والسلطات في الكهرباء. هناك ضوابط من المفترض وضعها على الوزير.
وفي المقابل، لا بد من القول انه بالتزامن مع هذا التفريغ على مستوى مجلس الادارة والمدراء هناك فائض في الادارة على مستوى الوظائف الدنيا . ومن المعلوم ، انه على مستوى المدراء من السهل جدا ملء الشواغر بالترقيات المناسبة. ولكن هذا لايحصل.
حسابات غير محسوبة!
في مجال آخر، حسابات هذه المؤسسة اليوم هي غير واضحة؛ اي اننا نجهل ما هو حجم الجباية ؟ ما هو حجم الانفاق ؟ ما هي قيمة العقود المبرمة؟
ويلفت الدكتور مارديني الى انه في العام 2010، عندما تبين الخطأ في حسابات المؤسسة اوكل الأمر الى خبير مالي. الا انه لغاية تاريخه، لم ينجز اعماله.
نحن لانعرف اذا قيمة ما تنفقه الكهرباء، ما هي قيمة أصولها، اصولها الجارية، قيمة المعامل التي تملكها، فاتورة الفيول اويل التي تسددها، علما ان المعلومات المنقولة تشير الى انها تقوم ببيع الفيول الى قاديشا ، منشآت النفط والشركات كما وتبيع او حتى تؤجر الكابلات لشركات خاصة. الفلتان سيّد الموقف بسبب غياب مجلس ادارة كفوء وقادر.
ويقول: الدولة تشتري الفيول للمؤسسة وهي بدورها تبيعها، الى جانب ابرامها عقود تشغيل مختلفة ترفع قيمة النفقات، والتعاقد مع مستشارين ومديري مشاريع واعمال صيانة فيما يبقى مهندسو المؤسسة بدون عمل فيها.
لذلك، من المفترض مراجعة سريعة لكل العقود والتلزيمات الموقعة مع الشركات الخاصة والتأكد من الحاجة اليها.
كل ذلك من مسؤولية مجلس ادارة المؤسسة. ولكن اين هو اليوم؟ القرارات المتعلقة بالكهرباء موجودة في الوزارة، مناقصات استقدام البواخر لم تمر من كهرباء لبنان، وليس بالتالي بادارة المناقصات.
الوزير اليوم هو الذي يقوم باجراء المناقصات بدون المرور بدائرة المناقصات بحجة ان الكهرباء هي مؤسسة عامة مستقلة.
من هنا، فان كل من البنك والصندوق الدوليين على حق بالاصرار على تعيين مجلس ادارة جديد وهيئة ناظمة لقطاع الكهرباء، فيما ان الوزير يضع الخطة ويلزم من بقي في مجلس الادارة بالموافقة.
ويذكر الدكتور مارديني انه في العام 2002، اجاز القانون رقم 462/2002 للشركات الخاصة بالدخول الى القطاع وأناط صلاحية التراخيص لهذه الشركات بانتاج ونقل وتوزيع الكهرباء بالهيئة الوطنية لتنظيم قطاع الكهرباء، بعد ان حدد طريقة انشائها وادارتها ومهامها وصلاحياتها. وهذا يعني انه سمح بانشاء شركات منافسة لمؤسسة كهرباء لبنان على صعيد الخدمة و الكلفة.
ولكن في ما بعد جرى تعديل على القانون بشكل استثنائي ، حيث تم حصر منح التراخيص بالوزير. اي ما معناه استبعاد انشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء.
هل يشكل الاستغناء عن البواخر في الوقت الراهن تراجعا في الانتاج؟
برأي مارديني انه حان الآوان لكي يتم الاستغناء عن البواخر خصوصا مع اشتداد الازمة المالية. واليوم الحكومة تقول انها ستعطي مؤسسة كهرباء لبنان 1500مليار ليرة لتأمين 1500ميغاوات بدلا من 2400 ميغاوات . ولكن في الحقيقة ، هناك قدرة على تأمين 2000ميغاوات من خلال معمل الزوق الاول: 440ميغاوات. معمل الزوق الثاني : 157ميغاوات. معمل الجية: 63 ميغاوات. معمل الزهراني 420 ميغاوات. معمل دير عمار: 430 ميغاوات الى جانب انتاج المعامل المائية من الليطاني ، نهر ابراهيم نهر البارد وهي بحدود 85 ميغاوات. والاهم، ان كلفة انتاج هذه المعامل هي ادنى من كلفة استئجارالبواخر.
هروب المستثمرين من الشروط التعجيزية
ويعتبر مارديني ان ادخال شركتين عالميتين الى قطاع الكهرباء هي خطوة جيدة على طريق الاصلاح ، خصوصا ان الدولة ليس بمقدورها انشاء معامل من تمويلها الخاص . فالاتيان بهاتين الشركتين والتوجه الى تلزيمها المشروع وفق نظام ال” بي او تي ” هو حل لأن الشركتين ستتحمل تكاليف الانشاء، الاستثمار، الانتاج، وغيرها…
ويقول: انما باعتقاد الدولة اليوم ان الازمة المالية الحادة لا تشجع اي شركة على الدخول في اي مشروع “بي او تي ” في لبنان . ولكن هذا بمثابة زر الرماد في العيون. والاتفاق الذي وضعته الوزارة اليوم صعب جدا ومعقّد لا يجذب اي شركة خصوصا وانه في ما ينص عليه:
وجوب تأمين حل مؤقت اي بواخر بالتزامن مع انشاء المعامل ،علما انه ثبت ان كلفة الحل المؤقت يكلف اكثر من الدائم . وهذا شرط غير مشجع لأي شركة.
انشاء معامل تولّد الطاقة بواسطة نوع معيّن من الفيول، الغاز و… وهذا بالطبع تعجيزي.
باختصار، الدولة هرّبت المستثمرين في القطاع من خلال دفتر الشروط الذي وضعته.
ولفت مارديني الى عرض سابق للصندوق الكويتي من اجل تمويل انشاء وتشغيل معامل انتاج ولكن تم رفضه.
واليوم ، بعد كل المراحل يتم الاتجاه نحو ألية جديدة لادخال الشركات الخاصة الى الكهرباء وهي (Engineering Procurement Construction and Financing) (EPCF)
اي ان الشركة الخاصة تتحمل كلفة البناء للمعامل ، وتؤمن التمويل لها من بلدها بشكل قروض تسددها الدولة اللبنانية . بالطبع ، هذا الاجراء افضل من قيام الدولة بتأمين القرض من الخارج ، لأنه اذا افترضنا ان سيمنز هي الشركة التي ستقوم بانشاء المعامل ، اي هي التي ستؤمن التمويل ، فهذا سيحول دون افادة الدولة من اي صفقات تلزيم. فنحن نعرف تماما مصير التلزيمات في لبنان. ولكن في المقابل ، هناك دين اضافي على الدولة.
ويعتبر مارديني ان الحل الافضل هو الذهاب الى نظام ال” بي او تي” اي شركة تبني، تنتج ، تؤمن الصيانة وكل ما يلزم… وهذا طبعا بعد اسقاط البواخر.
ويكشف ان بعض الصناعيين مستعد لبناء معامل انتاج شرط ان لا تفرض عليهم الدولة الشروط التعجيزية.
ملف الكهرباء مادة دسمة للخلاف والمناكفات السياسية. وهو في نفس الوقت ثقل كبير في حجم الدين العام ، فهل يحتاج الى اجتماع لمجلس الامن، تحت الفصل السابع، مع ارسال جيش لمعالجته بجدية ولتعيين مجلس ادارة وهيئة ناظمة؟ الم يخجل المسؤولون اللبنانيون مما سمعوه عن تقصيرهم الفاضح وغير المبرر في هذا المجال؟ لماذا الدولة تبحث دائما عن الحلول المكلفة ؟