أرقام وإحصاءات عن تحويلات المغتربين . . عودة الرساميل هي الأهم

 أرقام وإحصاءات عن تحويلات المغتربين . . عودة الرساميل هي الأهم

على رغم الأهمية التي لعبتها تحويلات المغتربين في إبقاء العائلات اللبنانية صامدة في وجه مظاهر الإنهيار القاسية التي سيطرت على مختلف جوانب حياتهم خلال العامين الأخيرين، لا يمكن البتة عدم الإلتفات لتقلص دور هذه التحويلات في إنعاش الإقتصاد مع إنهيار القطاع المصرفي. فعلى مر السنوات، لم يكن فقط دور هذه التحويلات تأمين الحاجات الإستهلاكية والحياة الرغيدة لذويهم في لبنان، بل لعبت دوراً محورياً في إنعاش الإقتصاد اللبناني حيث كانت تتدفّق بإستمرار الى القطاع المصرفي الذي يدخلها إلى الدورة الإقتصادية عبر قروض للقطاع الخاص والأفراد.
الأيام القادمة ستطلب الكثير والكثير من تحويلات المغتربين، اذ أن أي خطة للنهوض تأخذ بالحسبان هذه التحويلات التي تقدّر بمليارات الدولارات سنوياً. وهذا الأمر ليس بمستغرب، اذ أن المغتربين اللبنانيين أثبتوا ان رابطهم بوطنهم لا يمكن لأزمة مالية أو نقدية فكّه، لا بل أدّى إنتشار مظاهر الإنهيار الإقتصادي في لبنان الى هرع المغتربين هذا الصيف الى مسقط رؤوسهم محملين بالأدوية والاغذية والدولارات الفريش لعائلاتهم.

وفي هذا الإطار، رأى الخبير الاقتصادي باتريك مارديني، في حديث لـLebEconomy، أن تحويلات المغتربين كانت وما زالت المصدر الأساسي لإدخال “الفريش دولار” إلى لبنان، وهي ما يخفف من وطأة الأزمة الاجتماعية التي نمر بها اليوم.
وعن مستقبل هذه التحويلات قال مارديني: “لا بد أن المغتربين سيستمرون في تحويلاتهم الى ذويهم، غير أن ما يهم فعلاً هو عودة استثمار المغتربين في بلدهم، ان كان عبر شراء الشقق والعقارات او الشركات وسواها من أشكال الاستثمار، فلبنان بحاجة الى رساميل المغتربين لا لمساعداتهم العينية فقط”.
ويردف مارديني: “بالتأكيد أن عودة الاستثمار تتطلب توافر عامل الثقة، وغياب هذا العامل له أسباب عديدة أبرزها الانهيار النقدي وتراجع سعر صرف الليرة بشكل مستمر، ما يعني أن الرأسمال المستثمر مهدد بفقدان قيمته بين ليلة وضحاها، وعليه فإن لا حل للأزمة دون استثمارات المغتربين التي لن تعود ما لم تعد الثقة، ولا عودة للثقة دون استقرار سعر الصرف”.
وعن سبل استرداد الثقة قال: “لا بد من إيجاد استقرار في سعر الصرف، وبرأيي أن هذا الأمر ممكن عن طريق تأسيس مجلس نقد currency board، والذي توكل اليه مهمة تثبيت سعر صرف الليرة بشكل يتسم بالمصداقية”، ويوضح أن الفرق بين وجود مجلس نقد وبين سعر الصرف العائم الذي نعيشه حاليًا أو السعر الثابت الذي كنا نعيشه في السابق هو أن هذا المجلس سيكون قادرًا على تثبيت سعر الصرف نسبةً الى احتياطي العملات الأجنبية المتوفر بحيث “لا يتزحزح”.
ويختم: “تأسيس مجلس النقد وتأمين استقرار سعر الصرف هو المدخل لاستعادة الثقة وطمأنة المستثمرين لا سيما المغتربين منهم، وبالتالي فإن تحويلات المغتربين قادرة فعلاً على المساهمة بحل الأزمة متى ما توافرت عوامل الاستقرار وأبرزها الاستقرار النقدي”.

بقي لبنان على مر السنوات من بين أكثر الدول العربية المتلقية لتحويلات المغتربين. وفي مقارنة لمجموع التحويلات إلى لبنان خلال 10 سنوات نجد أن لبنان كان دائماً في المراتب الثلاثة الأولى للدول المتلقية لهذه التحويلات. وخلال الفترة الممتدة بين عامي 2011 و 2020، سجل العام 2020 أدنى مستوى لهذه التحويلات حيث بلغت 6.30 مليار دولار، فيما سجل عام 2016 اعلى مستوى حيث بلغت التحويلات 7.16 مليار دولار.

يأتي لبنان في المرتبة الثالثة مع تراجع حصته في السوق من 18.8% في العام 2011 إلى 11.5% في العام 2020، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى الأزمة الاقتصادية والمالية التي تزامنت مع استمرار انخفاض قيمة العملة المحلية وهبوط أسعار النفط، الأمر الذي حدّ من التحويلات المالية للمغتربين اللبنانيين في دول مجلس التعاون الخليجي.

لا تزال مصر أكبر دولة عربية تتلقى التحويلات بحصة بلغت 53.9% من إجمالي تدفقات التحويلات المالية إلى المنطقة العربية في العام 2020، مقارنة بـ 42.2% في العام 2016 و39.2% في العام 2011. وتحتلّ المغرب المرتبة الثانية لكن انخفضت حصتها من إجمالي التحويلات المالية من 19.8% في العام 2011 إلى 14.5% في العام 2016 وإلى 13.5% في العام 2020.

نصيب الفرد من التحويلات المالية في لبنان هو الأعلى
شكّلت جائحة كوفيد-19 تهديداً كبيراً للدول العربية التي تعتمد بشكل كبير على تدفقات التحويلات المالية. ففي العام 2019، توقع صندوق النقد الدولي أن الدول العربية المستقبلة للتحويلات المالية، باستثناء مصر والمغرب، ستشهد انخفاضاً في تدفقات التحويلات المالية الواردة وكذلك تدفقات رأس المال الخاص الخارجة.

كما شهد النمو السنوي في تدفقات التحويلات إلى المنطقة العربية انخفاضاً بنسبة 6.1% في العام 2020، إلا أن نصيب الفرد من التحويلات المالية في لبنان الأعلى مسجلاً حوالي 922.8 دولاراً أمريكياً، تلاه الأردن (382.4 دولار)، ويعود ذلك أساساً إلى قلة عدد السكان في هذين البلدين إلى جانب تدفقات التحويلات الكبيرة.

يُعدّ تدفق التحويلات عنصراً حيوياً لاستقرار الاقتصاد الكلي في الدول العربية المصدرة للعمالة. في الواقع، تمثل التحويلات أداةً مهمةً للنمو الاقتصادي من خلال ضمان تدفق الموارد المالية من المغتربين إلى الأسر والمجتمعات المحلية في بلدان الأصل (المنشأ). كما أنها اليوم ذات قيمة خاصة للتصدي لوباء كوفيد-19 والتعافي منه.

في العام 2020، وعلى مدى السنوات العشر الماضية، سجّل لبنان أكبر قيم تحويلات بالنسبة إلى حجم اقتصاده حيث شكلت التحويلات ما معدله 14.9% من الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة 2011-2020، تلاه الأردن (12.2%) ففلسطين (11.4%). وفي العام 2020، زادت التحويلات كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وإن كان بشكل طفيف، في كل من مصر ولبنان والمغرب وفلسطين والسودان وتونس.

الدول المرسلة إلى لبنان: السعودية أولاً
جاءت تدفقات التحويلات المالية إلى لبنان في المرتبة الثانية بين الدول العربية وبلغت 7.1 مليار دولار أميركي في العام 2017، مسجلة انخفاضاً من 7.5 مليار دولار أميركي في العام 2015. تأتي تحويلات لبنان من مجموعة واسعة من البلدان (المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وأستراليا وكذلك الدول الأفريقية والعربية والأوروبية) بسبب الشتات اللبناني الكبير المنتشر في جميع أنحاء العالم. في العام 2020، شكلت تدفقات التحويلات إلى لبنان من الدول العربية حوالي 27.8% من إجمالي التحويلات، لتصل إلى حوالي 2.2 مليار دولار أميركي. واحتلت المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى في إرسال التحويلات إلى لبنان بنسبة 20.4% من إجمالي التحويلات التي تلقتها البلاد، تلتها الولايات المتحدة (16.2%)، فأستراليا (12.0%). وبحسب تقديرات البنك الدولي، انخفضت التحويلات إلى لبنان بنسبة 15% في العام 2020، ويرجع ذلك أساساً إلى الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد-19 إلى جانب هبوط أسعار النفط، مما حدّ من تحويلات المغتربين اللبنانيين في دول مجلس التعاون الخليجي.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع Leb economy