كل الوقائع الماثلة والتحذيرات، محلياً ودولياً، تؤكد أن لبنان لا يتحمّل بأي شكل مخاطر ما يحصل من تصعيد واشتباكات على الحدود الجنوبية وإصرار “الحزب” على توريط لبنان في تهلكة مميتة وجرّه إلى مستنقع الحرب الشاملة. وآخر المحذرين كانت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا في زيارتها قبل أيام إلى بيروت، إذ حذّرت من أن “لبنان في وضع ضعيف جداً، وارتفاع مستوى التوتر الواضح على جانبي الخط الأزرق خطير جداً، وأقول للجميع إن الديبلوماسية تفيد في هذه الأجواء وليس العمل العسكري، وقلت للمسؤولين اللبنانيين إذا غرق لبنان في الحرب فهو لن يتعافى والوضع خطير جداً”.
على عكس التعامي الذي يمارسه معظم المسؤولين اللبنانيين عن جدية التهديدات والمخاطر من زجّ لبنان في الحرب، ينظر رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني إلى هذه التهديدات بجدية قصوى، ويؤكد أن “لبنان لن يستطيع التعافي من أضرار الحرب، ومجنون من لا يعترف بهذه الحقيقة”، لافتاً إلى أننا “اليوم في وضعنا الحالي، الحرب دائرة في الجنوب بكل معنى الكلمة، علماً أنها لم تمتد بعد إلى كل المناطق اللبنانية. هذه الحرب بحدِّ ذاتها أرخت بآثار سلبية جداً على الاقتصاد، وفي حال تضخّمت إلى حرب أوسع عندها نكون قد دخلنا فعلاً في أتون كارثة كبرى”.
مارديني يشدد، عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، على أنه “حتى قبل الدخول في الحرب الواسعة، فمجرد عدم الاستقرار الحالي يدفع الشركات والمؤسسات التجارية إلى إعادة حساباتها. فإن كان هناك أحد لا يزال يفكر بالاستثمار في لبنان سيتمهّل ولن يستثمر في بلد معرّض للقصف والدمار في أي لحظة. بالتالي، حتى ولو لم ندخل الحرب الواسعة، فالاستثمارات هربت بمجرد الوضع الحالي العالي المخاطر. بل حتى الاستثمار الداخلي معدوم، فأي شركة لا تزال صامدة وكانت تفكّر بتوسيع أعمالها تخلّت اليوم بالتأكيد عن ذلك وتفضّل بطبيعة الحال أن تنتظر ما سيحصل”.
بالتالي، يضيف مارديني: “لبنان اليوم بظل هذا الواقع في وضع سيّئ جداً، حتى مع عدم حصول الحرب على نطاق أوسع. أما إذا زجّ لبنان في الحرب الشاملة فسيكون الوضع بالتأكيد أسوأ بدرجات لا تقاس”، مشدداً على أنه “في حال تطورت الحرب أكثر وحصل دمار في البنى التحتية، هذا يعني خراب لبنان بكل ما للكلمة من معنى، “بتخرب الدني”.
مارديني ينوّه إلى أن “وضع لبنان اليوم تحت الصفر، ولا يمكن المقارنة بين ما حصل في حرب تموز العام 2006 وبين الحرب التي يتم جرّنا إليها. ففي العام 2006 كان يمكن للشركات أن تقفل أبوابها وتُبقي موظفيها والعاملين لديها في بيوتهم مع دفع معاشاتهم، لأنها كانت تملك أموالاً في المصارف، بينما اليوم الجميع يعلم وضع المصارف، والأرجح أنها ستطرد الموظفين”.
يتابع: “وضعنا اليوم لا يشبه ما كنا عليه في العام 2006، بل أسوأ جداً. ففي العام 2006 كانت الأموال متوافرة في المصارف، وكان الدولار بـ1.500 ليرة، وكان هناك تعاطف دولي وعربي مع لبنان سارع إلى إعادة الإعمار والبناء ووضع الودائع المصرفية في مصرف لبنان لحماية الليرة”، مؤكداً “اختلاف الوضع اليوم، إذ هناك يأس دولي وعربي من لبنان ومن الطبقة الحاكمة التي لا تتحمّل مسؤولياتها كما يجب، وترفض القيام بأي إصلاحات واستعادة هيبة الدولة وسيادة القانون”.
مارديني يحذر، من أن “كلفة الحرب اليوم على لبنان لا تقارَن مع أكلاف حرب تموز العام 2006 من كل النواحي”، معرباً عن تخوّفه من “الأكلاف الضخمة لأي حرب اليوم في المديَين المتوسط والطويل الأجل، والتي تجعل إمكانية تعافي لبنان موضع سؤال كبير”.
“يكفي مقارنة سعر الدولار في السوق الموازية مطلع العام 2023 وسعره على مشارف نهاية العام، لندرك كم أننا في تراجع مستمر. فمع مطلع العام الحالي كان الدولار بحدود 40.000 – 45.000 ليرة، بينما اليوم نحو 90.000 ليرة. أي أن الليرة خسرت منذ بداية العام الحالي إلى نهايته نحو نصف قيمتها، وهذا كله من دون الحرب. بالتالي لأي عاقل ومسؤول أن يتخيّل كم سيكون سعر الدولار وحجم الكارثة في حال لم نتجنّب الوقوع في الحرب الواسعة والدمار الشامل لكل لبنان”، يختم مارديني.