مع استهداف الجيش الاسرائيلي فجر يوم الجمعة الماضي معبري العريضة والجوسية على الحدود اللبنانية السورية وتدميرهما بالكامل بهدف “ضرب خطوط نقل أسلحة “حزب الله” من سوريا إلى لبنان”، ومع إسقاط الثوار نظام الأسد، تكثر التساؤلات والمخاوف من إمكانية عودة التوترات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في لبنان أو انفراجها، في ما يتعلّق بثقل النزوح السوري بالنسبة إلى الاقتصاد اللبناني منذ 2011. فهل يعود اقتصاد لبنان المدمّر من الحرب الاسرائيلية إلى اقتصاد واحد، أو يستمرّ اقتصادين (سوري ولبناني) في بلدٍ واحد؟
في العام 2011، ومع اندلاع الأزمة السورية، تكبّد الاقتصاد اللبناني خسائر هائلة لا يزال لغاية اليوم يتحمّل تبعاتها، بعد أزمة نزوح كبيرة استهلكت البنى التحتية في لبنان وألحقت الضرر بمختلف الخدمات العامة، بما في ذلك الكهرباء والمياه والصرف الصحي. وقد أدّى هذا الضغط الإضافي على البنية التحتية إلى تفاقم المشاكل القائمة في قطاع الخدمات العامة في لبنان، مما زاد من صعوبة توفير الخدمات الأساسية للمواطنين واللاجئين على حدّ سواء.
لم تنحصر التداعيات السلبية بتدهور جودة الخدمات العامة فقط، بل إن نقص السلع في سوريا من جراء الحرب، فتح المجال لازدهار تجارة تهريب مختلف السلع، أبرزها المحروقات، الأدوية والخبز… علماً أن تلك المواد في حينه كانت مدعومة من قبل الدولة اللبنانية مما أدّى الى هدر مليارات الدولارات من أموال الدعم على تجارة التهريب، وبالتالي خروج كميات كبيرة من الدولارات من لبنان إلى سوريا، بالإضافة إلى الدولارات التي كانت تنتج في لبنان وتحوّل إلى سوريا نتيجة انخراط اللاجئين السوريين في الدورة الاقتصادية اللبنانية، مما جعل لبنان يضمّ اقتصاد بلدين في بلد واحد.
هذه الصورة الملخّصة سبّبت ضرراً كبيراً للوضعين الاقتصادي والاجتماعي في لبنان مع بدء مسار تراجع النمو من 8 في المئة في 2010 إلى أقلّ من 1 في المئة في 2011، ولم يتجاوز معدل نمو الناتج الإجمالي المحلي 2.5% منذ ذلك الحين بسبب الصراع المشتعل على الحدود. وارتفعت مستويات البطالة بين اللبنانيين خصوصاً الشباب منهم إلى أكثر من 20% نتيجة غزو اللاجئين السوريين سوق العمل، مما أدّى بجزء منه إلى ارتفاع معدلات الفقر بين المواطنين بنسبة الثلثين منذ 2011.
دفع لبنان وفقاً للبنك الدولي، كلفة مالية واقتصادية من جراء أزمة النزوح قدّرها بمليار و700 مليون دولار سنوياً تتضمّن مساهمة الدولة بالطبابة، الكهرباء، الصرف الصحي، استهلاك البنى التحتية، أمّا الكلفة الثانية فهي خسائر على الاقتصاد وعلى خزينة الدولة التي كانت تستطيع أن تستحصل عليها، وهي تقدّر بما لا يقل عن 40 مليار دولار منذ العام 2011 لغاية 2023، في حين أن المساعدات الدولية للبنان يُقدّر إنها بلغت حوالى 9 مليارات دولار وغطت جزءاً بسيطاً من الخسائر المباشرة.
هل سيتبدّل المشهد اليوم؟ وكيف سيؤثر إسقاط النظام في سوريا على الاقتصاد اللبناني المدمّر؟
في هذا الإطار، أوضح مصدر دبلوماسي لـ “نداء الوطن” أن الوضع اليوم مختلف تماماً عن العام 2011، وما اعتُقد في حينها أنه الربيع العربي اتّضح لاحقاً أنه ليس سوى شتاء، مشيراً إلى “أن الخطر لن يكون هذه المرّة من ناحية النزوح بل التداعيات السلبية الاقتصادية ستكون:
– انعدام التبادلات التجارية بين لبنان وسوريا مع تدمير المعابر البرية.
– مصير صناعة وتجارة المخدرات المزدهرة بين البلدين.
– المساعدات المالية التي ترسلها المؤسسات والمنظمات الدولية للاجئين السوريين والتي يمكن أن تتحوّل من لبنان إلى سوريا مع عودة جزء من النازحين إلى سوريا، وبالتالي خسارة لبنان نسبة من التدفقات المالية الخارجية التي كانت ترده والتي كان يعوّل عليها كأحد مصادر العملات الأجنبية.
– التداعيات السياسية والأمنية التي تؤثر بشكل غير مباشر على الاقتصاد اللبناني.
– في حال عودة العمال السوريين إلى بلادهم، سيعاني الاقتصاد اللبناني من نقص في العمالة في الوظائف التي كان اللبناني يمتنع عن ممارستها أبرزها أعمال البناء (والتي يحتاجها لبنان اليوم لإعادة الإعمار)، الزراعة، عمال نظافة وغيرها…
– مصير اتفاقات التبادل التجاري بين البلدين والنقل البري عبر سوريا.
من جهته، أكد الباحث في مركز كارنيغي مهند الحاج علي لـ “نداء الوطن” أن المشهد يختلف اليوم لناحية أن التنظيم العسكري الذي يقاتل حالياً في سوريا يؤكد أنه جاء لتحرير السكان من الواقع الاقتصادي القديم وأنه يستطيع تأمين الكهرباء، وكافة السلع اللازمة، ويمكنه تأمين العملات الصعبة من تركيا. ويقول للسكان إنهم خرجوا من العقوبات ودخلوا إلى رحب عالم النفوذ والأمن التركي… “ولكن في حال تمّ فرض عقوبات على هذا التنظيم لاحقاً، فإن التداعيات قد تطال الاقتصاد اللبناني من جديد وقد تعاود موجة التهريب من لبنان ازدهارها”.
وفيما اشار إلى أن موجة نزوح معاكسة بدأت من لبنان إلى سوريا بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على كافة المناطق من قبضة النظام السوري، لفت الحاج علي إلى أنه قبل تحديد التداعيات على لبنان، يجب انتظار اتّضاح الصورة على الصعيد الامني والعسكري واستلام سلطة رسمية في سوريا مهام الدولة.
التبادل التجاري
من ناحية أخرى، أوضح الحاج علي أن تدمير المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا سيؤثر حتماً على الاقتصاد اللبناني وسيقضي على ما تبقى من تصدير زراعي عبر سوريا إلى الدول العربية، كما سيعيق الاستيراد الزراعي من سوريا إلى لبنان، وبالتالي فإن القطاع الزراعي المتضرر بنسبة 70% نتيجة الحرب الاسرائيلية على لبنان، مهدّد بأن يصبح مورّداً فقط للاستهلاك المحلي!
تجدر الاشارة إلى أن حجم التبادلات التجارية من خلال معبر المصنع فقط على سبيل المثال، يبلغ 500 مليون دولار، علماً أن سوريا تستورد من لبنان بمعدّل 200 مليون دولار سنوياً، في حين تبلغ الصادرات اللبنانية إلى سوريا معدّل 121 مليون دولار سنوياً، كما أن العراق يستورد من لبنان عبر سوريا بمعدل 168 مليون دولار، في حين تبلغ الصادرات اللبنانية إلى العراق ما معدّله 162 مليون دولار سنوياً.
بدوره، أوضح رئيس تجمع مزارعي البقاع إبراهيم ترشيشي أن عمليات التصدير البري متوقفة بالكامل حالياً، ليس فقط بسبب تدمير المعابر على الحدود اللبنانية السورية فقط، بل لأن الأردن أقفل معبر جابر الحدودي المقابل لمعبر نصيب السوري، وبالتالي أي بضائع واردة إلى لبنان من الدول العربية (السعودية أو الامارات) يتمّ رفض دخولها عبر معبر جابر، كذلك الأمر بالنسبة للصادرات اللبنانية إلى الدول العربية. وأكد ترشيشي أن النقل البري إلى العراق متوقف أيضاً بشكل تام عبر معبر البوكمال.
وأشار إلى أنه حتّى في حال تمّ فتح معبر المصنع، فإن عمليات التصدير لا يمكن أن تستأنف إلى سوريا، لأن معبر جديدة يابوس السوري خالٍ من الموظفين ولا يمكن تخليص البضائع لدخولها الأراضي السورية.
وحذّر ترشيشي من أن الوضع الحالي المتفلّت على الحدود، سيؤدّي إلى ازدهار عمليات التهريب عبر المعابر غير الشرعية وسيفتح فرصاً كبيرة أمام المهرّبين بعد إغلاق المعابر لتهريب مختلف السلع من دون حسيب أو رقيب، لافتاً إلى أن عمليات التهريب في السابق، كانت تتم في بموافقة السلطات السورية مقابل رشاوى مالية. أما اليوم، فإن التهريب أصبح من دون مقابل وأقلّ كلفة في ظلّ الفلتان الأمني، مما سيشرّعه بشكل أكبر ويجذب المزيد من مهرّبي كل أنواع السلع بغض النظر عن حاجتها.
اضغط هنا لقراءة المقال على موقع نداء الوطن