تنظيف القطاع العام من فائض الموظفين يؤمن الزيادة للعسكريين

يُعاني القطاع العام في لبنان من أزمة مزمنة تعود جذورها إلى تدهور مالي حاد بدأت ملامحه منذ ما قبل الانهيار. انخفضت الإيرادات من 17 مليار دولار عام 2018 إلى ما لا يتجاوز 4 مليارات اليوم، ما أدى إلى تراجع القدرة الإنفاقية للدولة إلى ربع ما كانت عليه. بلغت مساهمات الدولة في الرواتب آنذاك نحو 1000 دولار شهريًا، لكنها لم تكن مبنية على قدرة مالية حقيقية، بل جرى تمويلها من ودائع الناس عبر المصرف المركزي أو من خلال الاستدانة من الأسواق الدولية، وهي قنوات تم إغلاقها بالكامل بعد الأزمة. تحولت الدولة إلى كيان شبه عاجز بالكاد يستطيع تأمين 250 دولارًا، وسط غياب حلول مالية مستدامة. تصدّر المتقاعدون من المؤسسة العسكرية واجهة النقاش العام كرمز نزيه ومشرّف، في وقت استغل فيه كثيرون من الموظفين مواقعهم ضمن القطاع العام، بعد أن دخلوا إليه بفعل المحسوبيات والاعتبارات الطائفية والانتخابية، لا عبر الكفاءة. حاول هؤلاء الاحتماء بصورة العسكريين للمطالبة بالمساواة في الرواتب، رغم الفارق الجذري في الأداء والشرعية، مما زاد من تعقيد المسألة. فرضت الظروف ضرورة تطهير الإدارة، خاصة وأن عشرات الآلاف من الموظفين لا يؤدون أي دور فعلي، وبعضهم يتقاضى راتبًا وهو مقيم خارج البلاد، كما في حالة موظف مؤسسة المياه الذي يعيش في كندا. أمام هذا الواقع، أصبح إصلاح القطاع العام شرطًا أساسيًا لإعادة هيكلته وتأمين العدالة في التوزيع. فشلت الحكومة في وضع هذه الملفات ضمن رؤية متكاملة، وغابت الإرادة السياسية في ربط الإنفاق بإيرادات الموازنة. جاءت المطالب دائمًا بعد إقرارها، من دون أي تبرير اقتصادي منطقي. لم يبقَ أمام الدولة إلا خيارات ضيقة: إما انتظار هبة خارجية أو اللجوء مجددًا إلى السياسات التضخمية وتمويل العجز، عبر رفع الأسعار واستنزاف ما تبقى من احتياطي مصرف لبنان، وهي حلول لا تؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار، بدل إنقاذ ما تبقى من القطاع العام.