هل يتحوّل الذهب في لبنان إلى مفتاح الخروج من الأزمة الاقتصادية؟

يمتلك لبنان ثروة كبيرة من الذهب تبلغ حوالي 287 طناً، ما يشكل أصلاً استراتيجياً هاماً في ظل الأزمات المالية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد. تصل قيمة احتياطي الذهب لدى مصرف لبنان حالياً إلى ما يقارب 40 مليار دولار، وذلك بفضل الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار الذهب عالمياً، حيث ارتفعت قيمته بنسبة 153% منذ العام 2019 حتى العام 2025.

يمنع القانون رقم 42 لعام 1986 مصرف لبنان من التصرف بالذهب بشكل قاطع، إذ يتطلب أي استخدام لهذا الاحتياطي تشريعاً جديداً من مجلس النواب. تتجه النقاشات حول إمكانية استخدام الذهب لسد الفجوة المصرفية التي تبلغ حوالي 70 إلى 80 مليار دولار، خاصة مع وجود احتياطي إضافي من العملات الأجنبية يقدر بحوالي 10 مليارات دولار.

تثير فكرة استخدام احتياطي الذهب مخاوف جدية حول إمكانية هدره بنفس الطريقة التي أهدرت بها 80 مليار دولار سابقاً. يعود النظام الحالي إلى نفس الممارسات السابقة التي أدت إلى الأزمة، مع وجود سعر صرف مثبت وإمكانية قيام المصرف المركزي بطباعة الليرة اللبنانية. تشكل الانتخابات المقبلة خطراً إضافياً، حيث قد تتغير الحكومة وتعود الممارسات القديمة المدمرة للاقتصاد.

يجب أن تسبق الإصلاحات الجوهرية أي تفكير بالحديث عن استخدام الذهب. تتمثل أبرز هذه الإصلاحات في إنشاء مجلس نقد (Currency Board) داخل مصرف لبنان للحفاظ على قيمة سعر صرف الليرة، حيث يغطي المطلوبات بالليرة اللبنانية بالدولار. يكلف هذا النظام المصرف المركزي حوالي مليار دولار لتغطية مطلوباته، ما يضمن عدم خضوعه لضغوط الحكومة في حال طلبت اقتراضاً من الاحتياطيات.

يضمن مجلس النقد استقرار سعر الصرف في حال حدوث إعادة هيكلة للمصارف أو أي هزة أمنية في البلد، كما يمنع زيادة الكتلة النقدية بشكل عشوائي. يفتح هذا الاستقرار المجال أمام إصلاحات أخرى مثل إعادة هيكلة المصرف المركزي والقطاع المصرفي.

يدرس المصرف المركزي سيناريو بديلاً يتطلب أيضاً تعديلات تشريعية، يتمثل في تأجير الذهب لمؤسسات مالية تستخدمه لأغراض المتاجرة والمضاربة، بدلاً من بيعه. يسمح هذا الخيار بتحقيق مردود من الذهب يمكن أن يعود بالفائدة على المودعين في القطاع المصرفي اللبناني، دون المساس بأصل الاحتياطي.

لا يمكن استخدام الذهب لرفع رواتب القطاع العام، إذ ترتبط الرواتب بمداخيل الدولة التي لا يمكنها الإنفاق بما يتجاوز إيراداتها. تحقق الحكومة اللبنانية حالياً توازناً في الموازنة العامة، حيث تذهب معظم الأموال لدفع الرواتب والأجور والتعويضات دون أي إنفاق تنموي آخر.

شهد القطاع الخاص تصحيحاً كبيراً مع تسريح أعداد كبيرة من الموظفين، بينما لم يشهد القطاع العام أي تصحيح مماثل. يعاني متقاعدو القطاع الخاص من رواتب لا تتجاوز 30 أو 40 دولاراً شهرياً، بينما يتمتع موظفو القطاع العام بوضع أفضل نسبياً رغم عدم كفايته.

تعود التخمة في التوظيف الحكومي إلى المحسوبيات والوساطة وشراء الأصوات الانتخابية، وليس لحاجة فعلية من الدولة. يستحيل زيادة رواتب القطاع العام قبل إعادة هيكلته وتخفيض عدد الموظفين وزيادة إنتاجيتهم. يشكل استخدام الذهب لدفع الرواتب حلاً مؤقتاً يؤدي إلى هدر الاحتياطي دون معالجة المشكلة الجوهرية.

يمثل احتياطي الذهب اللبناني ثروة وطنية استراتيجية لا يمكن المساس بها دون وجود ضمانات إصلاحية حقيقية. يجب أن تسبق الإصلاحات الهيكلية في المصرف المركزي والقطاع العام أي تفكير باستخدام هذا الاحتياطي، وإلا فإن مصيره سيكون مماثلاً لمصير 80 مليار دولار التي هُدرت سابقاً. تبقى الأولوية للإصلاحات الجوهرية التي تضمن استقرار النظام النقدي والمالي قبل أي حديث عن الاستفادة من الذهب.

 اضغط هنا لمشاهدة المقابلة كاملة على قناة CNBC