في كل عام، ومع اقتراب موعد تعديل الساعة، ينقسم اللبنانيون بين مؤيد لتبديل التوقيت من الصيفي إلى الشتوي، ورافض. البعض يراه إجراءً طبيعياً لمواءمة ساعات النهار مع ضوء الشمس، فيما يعتبره آخرون مجرّد تقليد غير ضروري في زمن باتت فيه معظم دول العالم تتجه نحو توحيد التوقيت على مدار السنة. ولكن خلف هذا الجدل الظاهري، يرى الخبير الاقتصادي باتريك مارديني أن المسألة “تتجاوز عقارب الساعة لتكشف طريقة إدارة البلد واتخاذ القرارات فيه”.
يشرح مارديني في حديثه إلى “النهار” أن النقاش حول تغيير التوقيت “ليس جوهرياً من حيث المردود الاقتصادي أو الاجتماعي، لكنه يعكس خللاً أكبر في غياب القدرة على التخطيط المسبق والاتساق في القرارات. فهناك وجهتا نظر متقابلتان: الأولى تعتبر أن تعديل الساعة مفيد للصحة الجسدية والنفسية لأنه يطيل فترة التعرّض لأشعة الشمس، ما ينعكس إيجاباً على المزاج والطاقة. أما الثانية، فترى أن هذا التغيير لا يحمل أثراً ملموساً سوى الارتباك في المواعيد اليومية وتكبيد الناس والقطاعات عناء التأقلم مع توقيت جديد”.
ويؤكد مارديني أن الأثر الاقتصادي محدود جداً، “ولا يمكن القول إننا نوفر كهرباء أو نكسب طاقة إضافية لأننا أضفنا ساعة نهار أو ليل، فالفروق تكاد لا تُذكر، والإيجابيات والسلبيات في النظامين تتوازن في نهاية المطاف”.
لكن النقطة المحورية بحسبه، تكمن في ما يسميه “القدرة على التنبؤ”، أي أن يعرف المواطنون والمؤسسات مسبقاً ما الذي سيحدث ومتى؟ فالمشكلة في لبنان، كما يقول، ليست في القرار نفسه، بل في عشوائية توقيته: “يمكننا أن نُبقي التوقيت كما هو، أو نُبدله، لكن يجب أن يُعلَن ذلك قبل فترة كافية، كي يتمكن الناس من تنظيم اجتماعاتهم وسفرهم ومعاملاتهم على هذا الأساس. أما أن يُفاجأوا في اللحظة الأخيرة بقرار حكومي، فهذا يربكهم ويُكلف الاقتصاد جهداً ووقتاً إضافيين لإعادة ترتيب كل شيء”.
ويحذر مارديني من أن هذا النمط من القرارات المفاجئة “يضرب ثقة الناس بالسلطة ويؤثر سلباً في صورة البلد أمام المستثمرين. فالاقتصاد يقوم على الاستقرار، وأي مؤشر لعشوائية في إدارة الوقت أو المواعيد يُترجم فقدانا للثقة”.
ويشير إلى أن “دولاً مثل الإمارات قررت إلغاء العمل بالتوقيتين الصيفي والشتوي، ليس لأسباب مالية بل بهدف ترسيخ مبدأ التنظيم والاستقرار. المطلوب ببساطة أن تُبنى القرارات في لبنان على أسس علمية وتقنية واضحة، لا على مزاج أو اعتبارات سياسية”.
في الختام، يشدد مارديني على أن “الاستقرار في القرارات الصغيرة يعكس استقراراً في المنظومة بأكملها. فحين يشعر المواطن والمستثمر بأن الدولة تفكر وتخطط وتنفذ بناءً على منطق مؤسساتي لا على نزوات أو نعرات سياسية، تُستعاد الثقة وتُضبط الساعة اللبنانية على توقيت طبيعي يعكس انتظاماً في الحياة العامة قبل أن يعكس ضوء النهار”.
