مع بداية كل عام يتأمل اللبنانيون ان يكون عامهم افضل من الذي سبقه سيما وانهم يعيشون في ظل اسوأ ازمة اقتصادية في تاريخ لبنان صنفها البنك الدولي انها من ضمن اسوأ ثلاث ازمات في العالم.
هذه الازمة التي تفاقمت في العام ٢٠٢٢ مع الانهيار الدراماتيكي لليرة اللبنانية بعدما لامس سعر صرف الدولار الـ ٤٨ الف ليرة في الايام الاخيرة من السنة وانهارت معه القدرة الشرائية للمواطنين مما ادى الى ازدياد نسبة الفقر.
فهل سيشهد عام ٢٠٢٣ بعض الانفراجات في هذا البلد الذي يعيش فراغاً رئاسياً وحكومياً في الوقت الذي تعاني جميع القطاعات المصرفية والمالية والتجارية والطبية والتربوية وغيرها من جراء هذه الازمة.
في هذا الاطار اشار الخبير الاقتصادي الدكتور محمود جباعي في حديث للديار الى ان العام ٢٠٢٢ كان مليئاً بالتخبطات في ظل الاستمرار التخبط الحكومي والرسمي وعدم ايجاد خطة تعاف اقتصادية ومالية واضحة للخروج من الازمة معتبراً ان ابرز الخاسرين هم القطاع العام وموظفوه اضافةً الى الانتاج المحلي الرسمي كان ضعيفاً جداً.
ولفت جباعي الى ان القطاع الخاص استطاع ان ينهض من جديد بالاقتصاد حيث تراوح الناتج المحلي من القطاع الخاص بين ٢و ٣٪ موضحاً ان هذا الامر مرده الى التحويلات الخارجية التي تبلغ حوالي ٧ مليار دولار سنوياً اضافةً الى ٣مليار دولار تدخل الى البلد من خلال جمعيات واحزاب ومؤسسات مشيراً ان هذه الاموال تذهب الى الاستهلاك ولا تُدّخر في المصارف وخلقت اقتصاداً نقدياً في السوق ونوعاً من النمو الاقتصادي في القطاعات الخاصة وهذا ما يُفسر بان معظمها تعمل رغم الازمة المستفحلة لافتاً الى ان حجم الصادرات وصل الى اكثر من ١٩ مليار دولار.
واكد جباعي ان هذا الامر غير كافٍ فنحن بحاجة الى خطة تعاف مالية واقتصادية حقيقية تستطيع ان تستغل هذا ( الـcach economy ) وتوجيهه نحو الاستثمارات بشكل صحيح وكي يتمكن القطاع العام من تحسين وضعه وتتمكن الدولة من تحصيل الضرائب بشكل حقيقي وبالتالي نتمكن من النهوض بالاقتصاد والوضع المالي.
وتحدث جباعي عن استمرار انهيار الليرة خلال عام ٢٠٢٢ الا ان المصرف المركزي استطاع ان يُخفض هذا العام نسبة الانهيار مشيراً الى انه من العام ٢٠١٩ الى العام ٢٠٢١ ارتفع سعر صرف الدولار حوالي ٢٥ ضعفا الا انه في العام ٢٠٢٢ استطاع المركزي عبر التعميم ١٦١ و من خلال تدخلاته المستمرة ان يخفض من نسبة ارتفاع سعر الصرف والدليل انخفاضه في الفترة الاخيرة بعد التعميم الاخير لمصرف لبنان متوقعاً ان يستمر في الانخفاض حيث سيلامس الـ ٤٠ الف ليرة.
وبالنسبة للعام الجديد تمنى جباعي ان يكون هناك وفاق سياسي بالدرجة الاولى وان يتم انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة تعمل على خطة تعاف مالية واقتصادية وتقوم بتوجيه الاستثمارات بالشكل الصحيح وان يكون لدينا موازنة عامة تضع ضرائب حقيقية تستغل الطفرة الاقتصادية الموجودة في القطاع الخاص من اجل النهوض.
واعرب جباعي عن تفاؤله بالعام ٢٠٢٣ في حال حصل الوفاق السياسي واتفاق دولي واقليمي لمصلحة لبنان على ان تلتزم القوى السياسية اللبنانية بهذا الاتفاق ويتم تغيير النمط القديم اضافةً الى موضوع النفط والغاز الدي سيبدأ التنقيب عنه في العام المقبل.
اما بالنسبة لسعر الصرف رأى انه اذا لم يكن هناك حلول جذرية سريعة سيستمر انهيار الليرة اللبنانية لكنه ابطأ من السنوات الماضية طالما التعميم ١٦١ يستمر العمل به.
أثير الحرب الروسية على اوكرانيا
بدوره رأى الخبير الاقتصادي الدكتور باتريك مارديني في حديث للديار ان ابرز المحطات الاقتصادية في لبنان في العام ٢٠٢٢ هي استمرار انهيار الليرة اللبنانية حيث تضاعف سعر صرف الدولار ما بين اوائل واواخر العام اي خسرت الليرة نصف قيمتها بظرف سنة وهذا ادى الى انهيار القدرة الشرائية للمواطنين خصوصاً الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية وبالتالي استمرار انهيار القدرة الشرائية كانت محطة اساسية طبعت العام ٢٠٢٢.
كما اشار مارديني الى امر مهم شهدناه خلال العام الماضي وهو استمرار انقطاع التيار الكهربائي حيث لم يتخطى معدل التغذية الساعتين يومياً فضلاً عن تقنين التغذية من قبل المولدات معتبراً ان الفشل الذريع لمؤسسة كهرباء لبنان ولوزارة الطاقة بتأمين الكهرباء رغم الخطط والدراسات وسعي البنك الدولي للمساعدة سببه اعتماد حلول غير مجدية.
ومن المحطات التي طبعت العام ٢٠٢٢ تحدث مارديني عن استمرار الركود الاقتصادي حيث بلغ النمو -٥٪ فالاقتصاد استمر بالانهيار وعدد كبير من الشركات اقفلت وسرحت موظفيها كما اشار الى الزيادات الضريبية واقرار الموازنة وتعديل سعر الصرف الرسمي الذي سيبدأ العمل به في العام ٢٠٢٣.
كما لفت مارديني الى تأثير الحرب الروسية على اوكرانيا التي تجسدت بارتفاع اسعار المواد الاولية في العالم وخاصةً المحروقات والقمح وغيرها من المواد الاولية مشيراً ان هذا الامر انعكس على لبنان وادى الى ارتفاع اضافي في الاسعار وبالتالي فاقم مشكلة التضخم.
وحول ما سيشهده الوضع الاقتصادي خلال العام ٢٠٢٣ توقع مارديني ان يستمر انهيار سعر صرف الليرة لان العوامل لذلك ستبقى كما هي فمصرف لبنان سيستمر بضخ كميات كبيرة من الليرة اللبنانية من اجل تمويل عجز الموازنة العامة وتمويل خسائر المصارف مشيراً الى انه في اخر ستة اشهر من السنة الماضية تضاعف حجم الليرة اللبنانية بالتداول وهذا يؤدي الى ارتفاع الطلب على الدولار وبالتالي الى ارتفاع سعر صرف الدولار.
ويقول مارديني طالما ان الدولة اللبنانية ستستمر بتمويل عجزها عن طريق طباعة الليرة وطالما ان المصارف لن تتمكن من استرداد دولاراتها من المصرف المركزي الذي يعطيها الليرات بدل الدولارات ليتمكن المودعون الذين لديهم ودائع بالدولار من سحب ودائعهم بالليرة فإن كمية الليرة بالتداول ستزداد وبالتالي سعر صرف الدولار مرشح الى المزيد من الانهيار.
وفي موضوع الكهرباء لفت مارديني الى ان فشل مؤسسة كهرباء لبنان في تأمين التغذية سيستمر حتى لو تم شراء الفيول في مطلع العام لان هذه العملية غير مستدامة فالتمويل ما زال يعتمد على مصرف لبنان اذ ان مؤسسة كهرباء لبنان غير قادرة على تمويل نفسها متوقعاً ان يحصل تكاثر للتجارب التي شهدناها في العام الماضي على مستوى البلديات التي امنت التيار الكهربائي عن طريق الطاقة الشمسية.
وتحدث مارديني عن محطة اساسية في العام ٢٠٢٣ وهي التفاوض مع صندوق النقد الدولي الذي لم يصل الى خواتيمه بعد تنفيذ عدد كبير من الشروط وبقاء عدد قليل منها لكنها الاصعب وهي اقرار خطة لتوزيع الخسائر واعادة هيكلة القطاع المصرفي والكابيتال كونترول مشيراً الى ان اقرارهم سيفتح الباب لامضاء الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي متمنياً أن لا يتأخر هذا الاتفاق الى العام ٢٠٢٥
كما توقع ان نشهد المزيد الزيادات الضريبية والجمركية وتعديل سعر الصرف كي يتماشى مع سعر الصرف على منصة صيرفة.
ورداً على سؤال حول امكانية الخروج من الازمة وفرملة الانهيار رأى مارديني ان ليس هناك شيئاً مستحيلاً وهناك حل لكل المشاكل ولكن الدولة لا تقوم بالمطلوب من اجل ذلك مع ان هناك الكثير من الحلول التي طرحناها منذ بداية الازمة كانشاء مجلس نقد (الكارينسي بورد) الذي يوقف انهيار الليرة اللبنانية في غضون شهر وفي موضوع الركود الاقتصادي والنمو السلبي يجب تفكيك الاحتكارات من كهرباء لبنان واوجيرو والاتصالات والانترنت وطيران الشرق الاوسط بحيث يتم فتح هذه القطاعات على المنافسة معتبراً ان فتح المنافسة في قطاع الكهرباء تؤمن تغذية افضل مع تخفيض الاسعار وتسمح لنشوء قطاع صناعي وزراعي اللذين هما بحاجة للكهرباء كما ان تفكيك احتكار اوجيرو على الاتصالات يؤدي الى نشوء القطاع التكنولوجي من جراء تحسين الانترنت وايضاً تفكيك احتكار شركة طيران الشرق الاوسط يزيد من حركة السياحة من والى لبنان.
واذ اكد بان تفكيك الاحتكارات ممكن ان يطلق العجلة الاقتصادية في لبنان رأى ان هذا الامر لم يحصل بعد ولا يبدو ان هناك نية لذلك.
وفي الشق المصرفي شدد مارديني على ضرورة فتح السوق اللبناني امام المصارف الاجنبية من دون وضع شروط كتحديد عدد الفروع او وضع شريك لبناني فيجب ان ينطلق الاقتصاد اللبناني مع مصارف نظيفة لها شهرة عالمية.
وختم مارديني بالقول هناك الكثير من الاصلاحات التي من الممكن تطبيقها لفرملة الانهيار لكن لا نرى ان هناك نية لتطبيقها ولذلك نتوقع ان يستمر الانهيار.
اضغط هنا لقراءة المقال على موقع الديار