عندما أقرت الدولة سلسلة الرتب والرواتب في تشرين عام 2017، فرضت معها سلة من الضرائب بهدف تمويلها ضاربة عرض الحائط التحذيرات التي أطلقها الاقتصاديون والتي تؤكد أن زيادة الضرائب لن ترفع ايرادات الدولة بل ستخفضها. اليوم، وبعد نحو عامين على اقرارها، يتبين أن الخبراء كانوا على حق، بدليل أن العائدات الضريبية لعام 2018 انخفضت بنحو 38 ملايين دولار عن العام 2017.
ولم تقتصر الامور على خفض ايرادات الدولة، إذ كان لهذه الضرائب انعكاسات سلبية على الاقتصاد اللبناني فخفض البنك الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي من 2.3% الى 0.3%، وهذا ما دفع المحلل الاقتصادي في المعهد اللبناني لدراسات السوق مجدي عارف الى التأكيد أنه “كان يمكن للبنانيين أن ينعموا بنحو مليار دولار من جراء الإنتاجية والأرباح وكل ما يرافقها من فرص توظيف للشباب اللبناني”.
ترتبط عائدات الدولة الضريبية بشكل كبير بالنمو الاقتصادي إذ كلما ارتفع النمو ارتفعت هذه العائدات، فالضرائب تزيد تكاليف أصحاب العمل وتخفض هوامش ربحهم بما يحرمهم من التوسع وزيادة فرص الاستثمار والتوظيفات. ويعطي عارف مثالاً على ذلك بالقول “اذا استثمرت شركة معينة وازدادت أرباحها ستحصل الدولة على نسبة لا تقل عن 20% جراء الضريبة على الأرباح. وكلما زادت توظيفات هذه الشركة ستزيد إيرادات الدولة. ولكن في حال أنهكت الدولة هذه الشركة بالضرائب، فان الأخيرة ستكون عاجزة عن زيادة الاستثمار والتوسع وفرص العمل وتاليا ستخف إيرادات الدولة أيضاً”.
سلبيات السياسة الضريبية “تعدت مسألة خفض النمو لتزيد من ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وكانت أحد الأسباب الأساسية وراء ارتفاع نسبة التضخم التي وصلت الى 6.1%، وخفض القدرة الشرائية لكل اللبنانيين باستثناء 300 ألف موظف في القطاع العام الذين نالوا السلسلة”، وفق العارف. علماً أن ارتفاع الأسعار له سلبياته على مبيعات المؤسسات، وتاليا على هوامش ربح أصحابها بما يضطرهم الى الاستغناء عن عدد من الموظفين لينضموا الى جيش العاطلين عن العمل في لبنان”.
وإذ أكد عارف أنه “لو بقي النمو على حاله (2.3%) لاستطاعت الدولة تأمين 246 مليون دولار إضافية. ولم تكن لتنخفض القدرة الشرائية للمواطنين ولم يخسر الشباب فرص عملهم”، قال “لذلك عندما يقرر صانعو القرار زيادة الضرائب يجب أن يدركوا أن هذه الزيادة ستحد من المشاريع المنتجة والاستثمارات الأساسية لتحريك العجلة الاقتصادية في البلد، وستذهب مباشرة الى رواتب موظفي القطاع المتخم بالتوظيف العشوائي والمحسوبيات وسوء الخدمة”.
ما البديل عن زيادة الضرائب؟ تقوم الدول عادة في ظل الركود الاقتصادي بتخفيض الضرائب بهدف الدفع بعجلة النمو. ويمكن وفق عارف “الاقتداء بتجربة ايرلندا في هذا المجال، فبعد خفض الضرائب ارتفعت إيرادات الدولة بشكل كبير بسبب ارتفاع النمو الاقتصادي وانخفاض التهرّب الضريبي. ويمكن للدولة ايضا تحفيز الاستثمارات بطرق عدة مثل تبسيط المعاملات الإدارية وتحسين مرتبة لبنان في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال، وتحسين النظام القضائي، وزيادة الشفافية في الدولة”.
لكن تبقى الوسيلة الأهم بحسب عارف، هي في تخفيض الانفاق على نحو يساعد في الحد من العجز وتالياً الحد من كلفة الدين العام الذي يشكل 35% من الموازنة. ويمكن أيضاً اللجوء الى تخفيض الرواتب والأجور التي تشكل 42% من الموازنة بسبب الفائض في التوظيف وتخفيض الانفاق الاستثماري الذي يشكل 10% من حجم الموازنة عبر تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص