أثارت عودة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية مخاوف من نشوب حرب تجارية عالمية، وذلك مع فرض المزيد من القيود التجارية والرسوم الجمركية. يتجاوز هذا القلق مجرد التأثير المباشر على التجارة العالمية ليطال مصير الاتفاقيات الدولية التي ترعاها منظمة التجارة العالمية.
تكشف التحليلات أن الهدف الأساسي من فرض الرسوم الجمركية يتجاوز البعد الاقتصادي البحت. فلا يقتصر الأمر على زيادة العائدات الجمركية أو حماية الصناعة الوطنية، بل يمتد إلى تحقيق أهداف سياسية واستراتيجية. ففي حالة المكسيك، يهدف ترامب إلى تعزيز التعاون في ضبط الحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية ومافيات المخدرات.
أما في ما يتعلق بكندا والاتحاد الأوروبي، فترتبط السياسة التجارية بمطالبة الحلفاء بزيادة إنفاقهم العسكري وتخفيف الأعباء عن الخزينة الأمريكية. يسعى ترامب إلى إعادة توزيع النفقات العسكرية داخل حلف الناتو، معتبراً أن الولايات المتحدة تتحمل عبئاً غير متناسب في الدفاع عن حلفائها.
تمتد هذه السياسة إلى الداخل الأمريكي، حيث يجري تنفيذ أكبر عملية تقليص للنفقات في تاريخ البلاد. وعلى الرغم من أن هذه السياسات قد تبدو عشوائية، إلا أنها تشكل استراتيجية متكاملة ومدروسة. يدرك صناع القرار أن زيادة التعريفات الجمركية ستؤثر سلباً على المستهلك الأمريكي، لكنهم يرون أن تخفيض النفقات سيساعد في ضبط التضخم، مما يعوض جزئياً عن تأثير الرسوم الجمركية.
يمكن للبنان الاستفادة من هذه التحولات في السياسة الأمريكية إذا أحسن قراءة المعادلات الدولية. فتركيز الإدارة الأمريكية الجديدة على موضوع السيادة وضبط الحدود يتقاطع مع مصالح لبنان في تعزيز سيادته على حدوده الجنوبية ومع سوريا. يمكن استثمار هذا التوافق في المصالح للمطالبة بتخفيف التعريفات الجمركية وفتح السوق الأمريكي أمام المنتجات اللبنانية.
يستدعي الوضع الراهن إعادة النظر في إدارة التوازن المالي للدولة اللبنانية. فالتجربة الأمريكية في ترشيد النفقات تقدم دروساً قيّمة للبنان، خاصة في ما يتعلق بإصلاح القطاع العام وإعادة هيكلة المؤسسات. يتطلب ذلك معالجة مشكلة التضخم الوظيفي في المدارس الرسمية والمجالس والصناديق، والتي تحولت من خدمة المواطن إلى أداة للتنفيعات السياسية.