تحولت عبارة “إعادة هيكلة القطاع العام” إلى لازمة تتردد كلما طُرح ملف الإصلاح الإداري، لكنها بخلاف اللازمة الشعرية التي تبني الإيقاع وتعطيه عمقاً، باتت نغمة مستهلكة ممجوجة عصية على التنفيذ رغم سهولة طرحها نظرياً.
تعني إعادة هيكلة القطاع العام إعادة تنظيمه والنظر في حجمه وحدود صلاحياته. يمكن بالتعاون مع القطاع الخاص إلغاء وظائف لم تعد لها ضرورة مثل المستنسخ والحاجب والسائق والمحرر، خاصة مع التقدم التقني والإلكتروني والتجهيزات التي يمكن للموظف استخدامها دون الحاجة لهذا الأكيب كله.
عمدت الحكومات المتعاقبة بدلاً من السير في مسار إعادة الهيكلة الفعلية إلى حشو القطاع العام بالموظفين، غالباً بطرق غير قانونية، ولا سيما في الفئتين الرابعة والخامسة. اتخذت الحكومة اللبنانية والحكومات المتعاقبة قراراً يتسم بشيء من الغباء، حيث منعت الأداة التنفيذية الإدارة من التوظيف رغم نقص الموظفين، مما يطرح التساؤل حول كيفية تحقيق إدارة الدولة وعمل الحكومة بفعالية.
لجأت هذه الحكومات إلى التدوير، فبدلاً من التوظيف الذي يمكن أن يكون عبر الخدمة المدنية بموظفين مستوفين للشروط ومؤهلين ومدربين، صارت تأخذ أشخاصاً عشوائياً. يشمل ذلك توظيفاً سياسياً ومحسوبيات وأشخاصاً غير مؤهلين وآخرين لا يحضرون للعمل، مما تركت السياسة تتوغل أكثر في قلب القطاع العام لتحقق من خلاله منافع سياسية وتشغل أشخاصاً يكلفون الدولة والخزينة كثيراً دون المنفعة المقابلة.
لا تقتصر إشكاليات الوظيفة العامة على فائض الموظفين فقط، بل تمتد إلى غياب التجهيزات الضرورية مما يضعف الكفاءة ويعطل الإنتاجية. يؤثر النظام المركزي الإلكتروني بوزارة المالية أو انقطاع الكهرباء على تعطيل العمل أينما كان، فهذا أهم عامل من عوامل سير الإدارة. تتعطل جميع المرافق في غياب الكهرباء وترتفع تكلفتها.
لا يمكن إعادة الهيكلة على أسس سليمة وعصرية دون المرور بقناة الشراكة مع القطاع الخاص. رغم وضع الأطر القانونية لذلك عبر قوانين الهيئات الناظمة والشراكة والشراء العام وغيرها، أثبتت التجربة إخفاقها وهي بحاجة إلى مراجعة جذرية لا مجرد إعادة تكرارها.
تبرز ضرورة التعاون مع القطاع الخاص، لكن يجب الاستفادة من التجارب الواقعية معه التي تسقط على ساحة التعاون إسقاطاً من قبل وزراء لديهم مع هذه الشركات منافع أو مصالح خاصة. يتطلب ذلك الاستفادة من التجربة في ظل غياب الرقابة الجدية وعدم العناية بصياغة العقود والاتفاقيات.
تمثل إحدى أهم نقاط الضعف في العقود كون الشركات التي تتعاون مع القطاع العام تحسم مصاريفها قبل حساب حصة الدولة في أكثر من موضع.
يتطلب الوصول إلى قطاع عام رشيق ومنتج تعزيز الهيئات القائمة المعنية بإشراك القطاع الخاص واستكمال هيكليتها الإدارية وضمان استقلاليتها وفعاليتها، والأهم ضمان التزام الوزراء بتطبيق القوانين، وإلا فإن مسلسل الفشل سيُعاد كابوس نعرف مشاهده ونعرف كيف ينتهي.