مصير الليرة اللبنانية رهن «ثُلاثية» الأداء السياسي.. ماذا ينتظر حاكم مصرف لبنان الجديد؟

الليرة
تدخل الحياة النقدية والمالية في لبنان مرحلة مفصلية مع تولّي كريم سعيد منصب حاكم مصرف لبنان، ويبقى مصير الليرة اللبنانية التي عانت منذ العام 2019 حتى اليوم محط اهتمام المواطن اللبناني، الذي تعايش مع تداعياتها وتأثيراتها اليومية على كافة الصُعد الحياتية.
فمنذ بداية الأزمة الاقتصادية، واجه اللبنانيون سلسلة من الأزمات العميقة التي أدّت إلى انهيار الليرة، بدءاً من الأزمات الاقتصادية المتعددة، مروراً بالانهيار المدوي للقطاع المصرفي، وصولاً إلى تداعيات الحرب الأخيرة على لبنان التي كبّدت الاقتصاد اللبناني خسائر كبيرة وأضرار جسيمة. كما وتدهورت القيمة الشرائية لدى اللبناني بفضل انعدام الثقة بالعملة الوطنية واعتماد الدولار.
 
وبعد التطورات السياسية التي شهدها لبنان في الآونة الأخيرة، من انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة الإصلاح والإنقاذ، كما وتعيين حاكماً جديداً لمصرف لبنان، ينتظر اللبنانيون ما ستؤول إليه الأمور في هذا الخصوص، حيث وضعوا كامل ثقتهم بالعهد الجديد متأملين تخطّي الكابوس الذي يخيّم عليهم ويضيّق على استمرارية عيشهم بكرامة. ليبقى السؤال الذي يشغل الشعب اللبناني بأثره عن مصير استقرار الليرة اللبنانية بعد تعيين الحاكم الجديد!
 
«المصيبة» أَبعد من ثبات سعر الليرة!
 
في اتصالٍ مع الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف، الدكتور سمير حمود، يشرح لـ «اللواء» أنه «مجرد التفكير بثبات سعر الليرة اللبنانية يعتبر أمر خاطئ، والتفكير بالضغط لتخفيض سعر صرف الدولار وتحسين سعر الليرة، كما والضغط المستمر أيضاً في هذا الخصوص، جميعها تصب في الخانة الخاطئة. فاليوم يجب إعادة النظر في إمكانية التوازن بين العرض والطلب، والأخذ بعين الاعتبار القضايا العالقة وتأثيرها على الأسواق، لأنه في الموازنة مبالغ كبيرة جداً يتم جبايتها دون أن تُصرف».
ويتابع: «فائدة الدين على اليوروبوندز غير موجودة في الموازنة، إعادة هيكلة القطاع العام والرواتب والأجور والمصاريف أيضاً. فأي عملية صرف اليوم في عملية الإنفاق الاستثماري أو في عملية الصيانة في كل مؤسسات ومرافق الدولة، يجب أن تستند في أي تفكير باللغة النقدية إلى التوازن المالي».
وأمام هذا الواقع، لا يستبعد حمود أن «المصيبة الكبرى اليوم ليست مرتبطة بخفض الدولار، ولكنها مرتبطة بموازنة المالية العامة والموازنة السنوية»، معتبراً أننا «ننظر دائماً إلى النتائج وكيفية تحريكها دون النظر إلى الأسباب، وفي حال الاستمرار على هذه الحالة سنكون في عجز سنوي في موازنتنا، ولن نتمكن من تحقيق التوازن في ميزان المدفوعات ولن يبقى في اقتصادنا اقتصاد نقدي ولن نصنع قطاع مصرفي صحيح، وسنفقد ثقتنا في القطاع المصرفي والمالي والنقدي للبلاد».
 
ماذا ينتظر الحاكم الجديد؟
 
وفي السياق عينه، يقول رئيس هيئة «تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية الخليجية» إيلي رزق، إن «تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان يعدّ خطوة حاسمة في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان، والتي أثّرت بشكل كبير على استقرار العملة الوطنية. باعتبار أنه من الممكن لتأثير تعيين حاكم جديد أن يتجلّى في عدّة جوانب منها، السياسات النقدية، أي أنه من المتوقع أن يقوم الحاكم بوضع سياسات نقدية تهدف إلى استعادة الثقة بالليرة اللبنانية والسيطرة على التضخم وتنظيم سعر الصرف. ومن المتوقع أيضاً أن تتم إعادة هيكلة القطاع المصرفي، أي أن يلعب الحاكم الجديد دوراً رئيسياً في هذا الموضوع، الذي من دونه لا قطاع خاص، وعلماً أن القطاع المصرفي يعاني من أزمة سيولة وذلك بهدف استعادة الثقة في النظام المصرفي لاستنهاض القطاع الخاص واستنهاض الاقتصاد».
وفي السياق عينه، يتابع: «على الحاكم الجديد التفاوض مع صندوق النقد الدولي لحل أزمة المودعين وللحصول على مساعدات مالية أيضاً، وذلك من أجل دعم الاقتصاد اللبناني وتحقيق الاستقرار المالي، كما وعليه استعادة ثقة المودعين، المهام التي تعتبر الأصعب على الإطلاق، فعليه أن يسعى جاهداً لتحقيق كل هذه النقاط الإصلاحية المذكورة».
 
تحدّيات كثيرة بالانتظار!
 
من هنا، يعتبر رزق أنه «لا شك بأن التحدّيات ستكون كبيرة في وجه الحاكم الجديد وفي وجه العهد الإصلاحي الجديد، التي تبدأ من الأزمة الاقتصادية والمالية الحادّة التي يعاني منها لبنان منذ سنوات طوال، مترافقة مع ارتفاع معدلات التضخم وانهيار سعر صرف الليرة اللبنانية وتدهور الأوضاع المعيشية للمواطن اللبناني، أضف إلى الخلافات السياسية العميقة، جميعها تصب في عرقلة تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية المالية اللازمة».
ويضيف: «تأثير تعيين الحاكم على استقرار العملة الوطنية مرهون بقدرته على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المالية اللازمة والتعامل مع كافة التحديات المحيطة».
 
«ثُلاثية» الأداء السياسي!
 
في هذا السياق، يرى رزق أن «الثلاثية الجديدة التي يجب أن تسود اليوم في الأداء السياسي هي: استقرار، استثمار، نمو وازدهار، لا ثلاثية غيرها، المعادلة التي يجب أن تعمل عليها كافة القوى السياسية وتكون خارطة الطريق، لأنه دون استقرار لا وجود لأي استثمار، ودون استثمار لا نمو وازدهار».
 
تأثير العوامل الأمنية على استقرار الليرة!
 
وأمام هذا الواقع، يوضح رزق أنه «صحيح أن الحاكم بالإنابة وسيم منصوري تمكّن من الحفاظ على الاحتياط النقدي والعملات الأجنبية وكبح جناح نفقات الدولة وفرض سياسات حكيمة جعلته يحافظ على استقرار سعر الصرف بأشدّ الأزمات التي مرّ بها لبنان خلال العدوان الإسرائيلي. لذا، على الحاكم الجديد اليوم، كريم سعيد، الذي يتمتع بالخبرة والقدرة أن يحافظ على هذه السياسة للحفاظ على الإحتياط من العملات الأجنبية وأن يسعى إلى إعادة تخفيض سعر الصرف باستعادة الثقة بالعملة الوطنية عبر تكبير حجم الاقتصاد وإعادة ثقة اللبناني بالليرة اللبنانية وتقوية الاقتصاد وليس عبر اعتماد سياسة الفرض التي ترفع من نسبة التكاليف على خزينة الدولة ولا تجدي نفعاً».
في الخلاصة، لبنان بحاجة ماسّة إلى إعادة بناء الثقة بين الدولة ومواطنيها، وبين المصارف والمودعين. وهذا البناء لا يمكن أن يتحقق دون اتخاذ خطوات ملموسة تُظهر التزام الحكومة بتغيير الواقع الاقتصادي والمالي بجديّة تامة لما فيه خير المواطن والبلاد، وذلك عبر التزامها بالعهود التي اتخذتها على عاتقها، لأن اللبناني لا يحتمل المزيد من الخيبات الموجعة.