يؤثر الاحتكار سلباً على الأسواق ويرفع الأسعار، بينما نجد أن بعض الدول تخلصت من الاحتكار وتحسن اقتصادها نتيجة العوامل التي تساهم في انتشار الاحتكار وعدم تطبيق القوانين ومتابعتها. يعاني لبنان من احتكارين أساسيين: احتكار الدولة للقطاعات العامة والخدمات الأساسية مثل كازينو لبنان وشركة طيران الشرق الأوسط والكهرباء والمياه والاتصالات، واحتكار القطاع الخاص المدعوم من الدولة كشركات الأسمنت التي يُمنع إعطاء رخصة لشركة رابعة للدخول إلى القطاع أو حتى الاستيراد بأسعار أرخص. صدر قانون المنافسة رقم 281 عام 2022 بهدف إيجاد حل لهذه المشكلة، لكن لم تتشكل الهيئة الوطنية للمنافسة التي تضم مجلس المنافسة وهيئة التحقيق وكل الأجهزة الرقابية، مثلما حدث مع الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات والكهرباء التي أُخذ قرار بتعيينها عام 2002 ولغاية اليوم لم يُعينوا فيها. يتركز الاحتكار في قطاعات الكهرباء والاتصالات والنفط والمشتقات البترولية والأسمنت والطيران والمقامرة والتبغ، ولا يوجد قرار سياسي لتشكيل الهيئة التي ستخفف من وطأة هذا الاحتكار. يمنع القرار السياسي تشكيل الهيئة بشكل أساسي مثلما يمنع تشكيل كل الهيئات الناظمة والرقابية في البلد. يُذكر أن وزير الاقتصاد إبراهيم حلاوي أخذ قراراً عام 1983 بمنع الوكالات الحصرية، لكن من ذلك التاريخ ولغاية اليوم لم يُطبق هذا القانون، وعدنا عام 2022 لوضع قانون للمنافسة على أساس تشكيل الهيئة الوطنية التي لم تتشكل أيضاً. تملك الهيئة الوطنية للمنافسة دوراً كبيراً في رقابة الأسواق والحد من تخزين البضائع وبيعها بأسعار أعلى من قيمتها الفعلية مع هامش الربح، وتقديم الاستشارات وفرض الغرامات المالية وإتاحة المجال أمام دخول منافسين جدد إلى السوق ومنع كل التصرفات الاحتكارية. تحدث التصرفات الاحتكارية في السوق من خلال تأخير إدخال البضائع وعدم إعطاء رخص لتجار جدد لإدخال بضائع وعرقلة دخول البضائع، وهذه كلها تؤدي إلى تركز بعض المواد والسلع بأيدي أشخاص محددين والتحكم بأسعارها. تقدر الدراسات أن حصرية الطيران في لبنان فوتت على الدولة مداخيل تقدر بحد أدنى 8 مليارات دولار منذ عام 2000، مقابل تحقيق الشركة المعطاة لها الحصرية 1.4 مليار دولار فقط، وبالتالي يجب العودة إلى تحقيق الصالح العام على تحقيق الصالح الخاص الذي عادة ما يكون ساحة خلفية للتوظيفات السياسية والمنافع الشخصية. تسيطر الدولة على قطاع الاتصالات عبر شركتي ألفا وتاتش مع ضعف في جودة الشبكة وارتفاع في الأسعار، وتهيمن إحدى عشرة شركة كبرى على نسبة كبيرة من سوق الأدوية، وتسيطر ثلاث شركات محلية على صناعة وتسويق الأسمنت وتبيع الطن الواحد بسعر مرتفع مقارنة بالأسواق المجاورة. تكمن المشكلة الأساسية في أنه لا توجد منافسة حقيقية في السوق اللبناني ولا يُسمح بوجود منافسة حقيقية في مختلف القطاعات لكل الأسباب المعروفة، والمشكلة تكمن في النفوس قبل النصوص، إذ يمكن وضع قانون منافسة ممتاز جداً وفي المقابل تكون أجهزة هذا القانون أو هيئة المنافسة غير فعالة. تُظهر التجربة أن الهيئات التي تم تشكيلها سابقاً مثل هيئة الرقابة على الأسواق المالية واجهت تحديات في التشكيل والعمل الفعال، والمشكلة ليست فقط في النصوص وإنما في النفوس وكيفية تطبيقها والمحاسبة عليها.
